القلعة نيوز-
ضمن فعاليات اليوم الثالث للموسم الثقافي السابع والثلاثين، استضاف مجمع اللغة العربية الأردني الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور، في محاضرة حملت عنوان «اللغة العربية والفرائض الغائبة».
وبيّن المحاضر أن «لِلُّغة –بصفة عامة- أهمية كبرى في حياة الإنسان وتاريخه وحضارته وعلومه وثقافته، وفي حياته الفردية والاجتماعية، وهي من أهم خصائصه التي يتميز بها على ما سواه من الكائنات، التي تشاركه الوجود على هذا الكوكب الذي نعيش عليه، وهي ملازمة له منذ وجوده الأول، وقد ارتبطت بوجوده وفكره ارتباطًا وثيقًا لا يمكن فَصْمه حتى إنه ليمكن القول إنه إذا وُجدت اللغة وُجد الإنسان، وإذا غابت اللغة غاب الإنسان».
وأكد د. مدكور أن اللغة تكتسب هذه الأهمية الكبرى، لصلتها الوثيقة بجوهر الوجود الإنساني. وأضاف: «إن اللغة –كذلك- ذات وظيفة اجتماعية؛ لأنها هي الوسيلة الأولى للتواصل والتخاطب بين بني الإنسان، وهي السبيل الأكبر للعبير عما بينهم من المصالح والمنافع والعلاقات الاجتماعية على اختلافها». واللغة، بحسب د. مدكور، هي وعاء العلم، وخزانة الفكر، ومستودع التراث والتاريخ، وهي ركن مهم من أركان الهوية، وجامع قوي من جوامع الاجتماع الإنساني وهي –بهذا- أقوى ما يعبر عن الإنسان في حقيقة وجوده، وجوهر شعوره ووجدانه وإبداعه، وفيها تتجسَّد ملامحه النفسية، وقيمه الأخلاقية، ومواقفه الفكرية التي يستشعرها تجاه الكون والحياة الاجتماعية.
ودعا المحاضر إلى إحياء الفرائض التي كانت –من قبل- من عوامل ازدهار اللغة العربية وثرائها وانتشارها وسيادتها، وهي العوامل التي ذبُلتْ أو غابت أو غُيِّبت فأدَّتْ إلى إزاحتها عن مكانها ومقامها؛ ومن ثم يجب العمل على استحضارها واستعادتها مرة أخرى على نحوٍ يلائم ظروف العصر، ويستعين بعوامل التقدم فيه.
كما دعا د. مدكور الدول العربية إلى تعريب التعليم الجامعي في فروع العلم المختلفة على نحو متدِّرج، تُعرَّب فيه الكتب للسنوات الجامعية سنة دراسية بعد سنة، وأضاف: وعلى خبراء التعليم أن يحددوا مقادير السنوات البينية التي يحتاج إليها تنفيذ هذا الأمر بين كل سنة وأخرى، ويمكن خلال هذه السنوات أن تصدر المعاجم المتخصصة، وتتحدد المشكلات الواقعية، وتتحدد سبل مواجهتها وينبغي أن تستمر هذه الجهود حتى يكتمل تحقيق هذه الخطة الإستراتيجية، حتى وإن طال أمدها؛ لأننا سنصل في نهاية المطاف إلى كسب كبير يستحق الحرص عليه مهما كانت العقبات والصعوبات، على أن يُصحب هذا كله بالعناية البالغة –فيكل الأحوال- بتعلم لغة أجنبية تعليمًا عاليًا وعميقًا حتى لا ينفصل الدارسون عن حركة العلم، في البلاد المتقدمة. ومع تحقيق التعاون والتكامل بين الدول العربية، وتبادل الخبرات بينها؛ لأنها تواجه مشكلة مشتركة لا تخص قطرًا بعينه، بل إنها تتعلق بالبلاد العربية كلها.
وأضاف المحاضر: ثم يأتي بعد ذلك دَوْر المؤسسات العلمية كالمجامع اللغوية، والجامعات ومراكز البحث العلمي، وعلى هؤلاء جميعًا أن يكونوا جنودًا في هذا الجهاد العلمي، وأن يكونوا طليعة لتحقيق ما ينبغي على الحكومات أن تفعله بل إن عليهم أن يشجعوا الحكومات على النهوض بهذا العبء الثقيل الذي يزداد ثقلًا بسبب تلك الفجوة الهائلة التي بيننا وبين الدول المتقدمة من الصناعة والتقنية، وهي فجوة تزداد بسبب ما تقطعه تلك الدول من أشواط ومسافات وإبداعات واختراعات في مجالات العلم المختلفة على حين أننا لا ننجز في هذه الجوانب إلا أقل القليل، ولعل المسافة بيننا وبينهم تزداد اتساعًا. غير أن الحديث عن العوائق والتحديات -مع أهمية وضرورة أخذه في الاعتبار- لا ينبغي أن يضعف العزائم أو أن يفتَّ في عضدنا أو أن يوقعنا في اليأس والإحباط، ولْنتذكر بعض الشواهد والتجارب من تاريخنا القديم، فقد خاضت الدولة الإسلامية في عصورها الأولى تجربة الترجمة لتراث الأمم السابقة كالهند وفارس واليونان واللغات السوريانية واللاتينية وغيرها، وقد كان كثير من هذا التراث ذا صبغة علمية، تتضمن معارف من الطب والفلك والكيمياء والرياضيات والطبيعيات. ولم يقف علماؤنا موقف الحيرة والعجز إزاء هذا التراث، بل إنهم واجهوه مواجهة جادة، تستند إلى روح علمية منهجية اكتسبوها من البيئة الإسلامية التي غرس الإسلام فيها العناية بالنظر في الكون واكتناه أسراره، ولذلك لم يمْضِ إلا وقت قليل بعد الترجمة أفصحت بعده العقلية الإسلامية عن خصائصها وأبرزت كثيرًا من جوانب الأصالة فيها، فلم يكتف هؤلاء بالمعرفة الدقيقة لمعارف السابقين؛ بل إنهم بدأوا يضيفون إلى ما عرفوه عنهم معارف جديدة، ظهرت في مؤلفاتهم، وفي التجارب التطبيقية التي أكملوا بها ما لم يرد في معارف السابقين، وصححوا ما وقعوا فيه من أخطاء.
وفي ختام المحاضرة سلّم الأستاذ الدكتور خالد الكركي رئيس المجمع شهادة تكريمية للدكتور مدكور.