د.نسيم أبو خضير
تُثار قضية تعدد الزوجات بإستمرار كموضوع جدلي يتشابك فيه الدين ، الثقافة ، والقيم الإجتماعية . وبينما يتجه اللوم غالباً إلى الرجل الذي يختار التعدد ، نادراً ما يُسلط الضوء على دور النساء في ترسيخ هذه الظاهرة ، سواء عبر القبول ، التشجيع ، أو التنافس على الشراكة الزوجية .
النظرة المجتمعية وتحميل الرجل المسؤولية .
يُنظر إلى تعدد الزوجات ، خصوصاً في المجتمعات التي تسمح به قانونياً ودينياً ، باعتباره حقاً شرعياً للرجل . ومع ذلك ، فإن كثيراً من النساء يعبرن عن إستيائهن من هذا الخيار ، ويُلقين اللوم كاملاً على الرجل ، متجاهلات أن التعدد لا يمكن أن يتحقق دون موافقة نساء أخريات . هذا التركيز الأحادي على الرجل يغفل الجوانب الإجتماعية والنفسية التي تدفع بعض النساء للقبول أو حتى السعي وراء الزواج برجل متزوج .
المرأة كطرف محوري في الظاهرة :
تتحمل المرأة ، بشكل أو بآخر ، جزءاً من المسؤولية في قضية التعدد ، من خلال :
١ . القبول بدور الزوجة الثانية أو الثالثة : بعض النساء يعتبرن الزواج برجل متزوج خياراً أفضل من البقاء بلا زواج ، بسبب الضغوط المجتمعية التي تربط قيمة المرأة بحياتها الزوجية وفي بعض الأحيان قد تترك زوجها وأبناءها في سبيل الزواج برجل آخر متزوج .
٢ . التنافس بين النساء : أحياناً ، تنشأ حالة من التنافس بين النساء لجذب رجل محدد ، مما يدفع بعضهن لتشجيعه على التعدد ، ولو على حساب زوجته الأولى .
٣ . الإغراء العاطفي والمادي : هناك نساء يسعين بوعي للزواج برجل متزوج بسبب إستقراره المالي أو مكانته الإجتماعية ، دون إعتبار لمشاعر الزوجة الأولى .
٤ . الضغط على الزوج الأول : قد تكون الزوجة الأولى ، دون أن تدرك ، سبباً في دفع زوجها للتفكير في الزواج بغيرها بسبب غياب التفاهم أو التصعيد المستمر للخلافات الزوجية .
التعدد بين الحاجة والإختيار
من المهم التمييز بين الحالات التي يكون فيها التعدد ضرورة إجتماعية أو إنسانية ، كحالات الترمل أو عدم قدرة الزوجة على الإنجاب ، وبين تلك التي تنبع من رغبة شخصية بحتة . في جميع الأحوال ، لا يمكن للرجل تحقيق التعدد دون قبول المرأة الأخرى ، مما يجعلها شريكاً في المسؤولية .
ولا يقتصر دعم التعدد على النساء والرجال ، بل يمتد ليشمل المجتمع ككل ، الذي يعزز قيم التعدد أحياناً من خلال الخطاب الديني والثقافي . على سبيل المثال ، بعض المجتمعات تحتفي بالرجل الذي يُعدد كرمز للرجولة والقدرة ، وتلوم المرأة التي ترفض تعدد زوجها بإعتبارها مقصّرة في واجباتها .
ولكي يكون الطرح حول التعدد عادلاً ، لا بد من التركيز على المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة والمجتمع . فلا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على طرف دون الآخر ، حيث إن التعدد نتاج منظومة متكاملة من الضغوط والقيم التي تفرض على النساء والرجال سلوكيات معينة .
إن حل قضية تعدد الزوجات يتطلب وعياً مجتمعياً بأبعادها المختلفة ، بعيداً عن لوم طرف واحد . وعلى النساء ، قبل الرجال ، أن يدركن أن قبولهن بأن يكن جزءاً من هذه المعادلة يعزز من وجود التعدد كظاهرة ، وقد يكون سببا في زيادة حالات الطلاق .
في الوقت ذاته ، يجب أن يتعامل الرجل بحكمة مع هذه المسألة ، بحيث يكون التعدد خياراً نابعاً من حاجة حقيقية وليس مجرد رغبة عابرة ، وأن لايفهم الدين فهما لتلبية رغباته ، وأن يقدر مشاعر زوجته التي قضت معه سنوات عدة تكونت خلالها أسرة متحابة متعاونه ليأتي الزواج الجديد ليهدمها ويشتتها .