شريط الأخبار
غوتيريش: حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام الفايز: حديث جلالة الملك قمة في الدبلوماسية والحكمة عباس يجدد رفضه لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني الجامعة العربية: موقف الملك عبد الله الثاني تجاه القضية الفلسطينية مشرف وزير الداخلية مازن الفراية يصل إلى تونس للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب الصفدي ينقل تحيات الملك لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني حركة شاحنات غير مسبوقة في الأردن .. 12760 شاحنة من سوريا العيسوي يلتقي 1500 شخص من أبناء مناطق شرق وجنوب عمّان المتقاعدون العسكريون في يوم الوفاء: العهد باقٍ في الدفاع عن الأمة والوطن شركس: اقتصادنا الوطني قادر على مواجهة التحديات عدم استقرار جوي لـ 4 أيام .. أمطار وتحذيرات لماذا وجه ترامب رسالة مصورة للملك والشعب الأردني؟ المقاومة: لا بدائل أمام الاحتلال إلا بتنفيذ كامل بنود الاتفاق وزير الخارجية: قادرون على إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها استشهاد أربعة فلسطينيين برصاص الاحتلال في طولكرم ونابلس طقس بارد وامطار نتيجة تأثر المملكة بعدم استقرار جوي ليلًا عطوفة الدكتور عمر الشريدة .. المسؤول الذي ترفع له القبعة رواق ودار الرفاعي تقيم حفل بمناسبة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان الدعجه يكتب : "لا تصدق كل ما تقرأ.. فقد تكون ضحية وحدة 8200 الإسرائيلية!" الأمير الحسن بن طلال يزور البحرين

الروائي جلال برجس يتعافى من وجع الحياة بالكتابة

الروائي جلال برجس  يتعافى من وجع الحياة بالكتابة
القلعه نيوز:محمد الكعابنه

أن يحقق روائي أردني جوائز مهمة ومتتالية، وأن تخرج أعماله الروائية من فضائها المحلي إلى العربي، ثم إلى العالمية، وأن تصبح رواياته من الأكثر تداولًا بين القراء، وأن تدرس بعض أعماله في جامعات عالمية، وأن تترجم إلى لغات أخرى، فإن الأمر يستدعي التوقف عند تجربة هذا الروائي.
نال جلال برجس (1970، مأدبا) الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته "دفاتر الوراق" (2021)، وجائزة كتارا للرواية العربية عن روايته "أفاعي النار" (2014)، وجائزة روكس بن زائد العزيزي للإبداع عن مجموعته القصصية "الزلزال" (2012)، وجائزة رفقة دودين للإبداع عن روايته "مقصلة الحالم" (2013)، كما وصلت روايته "سيدات الحواس الخمس" إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية (2019). ووصل إلى القائمة الطويلة لجائزة بانيبال للأدب المترجم عن ترجمة روايته "دفاتر الوراق"، كما وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عن السيرة الروائية "نشيج الدودوك" (2024).
روايته الأخيرة (معزوفة اليوم السابع) صدرت قبل أيام، بتعاون مشترك بين دار الشروق في القاهرة، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان/ بيروت. وقد أقيم حفل إشهارها الأول في القاهرة في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير هذا العام، ضمن معرض القاهرة الدولي للكتاب. وبعد أيام قليلة، في شباط/ فبراير، أقيم حفل الإشهار الثاني بمنتدى شومان في عمان. وفي الحفلين كان تفاعل الحضور لافتًا.
تناقش الرواية جوهر الأزمة الإنسانية في سياق درامي ابتدعه الروائي. وفيها يواصل برجس مشروعه الأدبي الباحث عما في دواخل الإنسان: تناقضاته، والحال التي وصل إليها. فالرواية، حسب ما يرى د. عماد الضمور، "ذات عمق فكري وثراء فني باعث على الأسئلة القلقة المقلقة بطريقة خيالية مغايرة للمألوف".

"عاش برجس طفولة مشبعة بأجواء روائية غير معلنة، بدءًا من جدته التي كانت تحكي الحكايات، مرورًا بأسرته المحتشدة بالأفراد"

جلال برجس من قرية (حنينا) قرب محافظة مأدبا جنوب العاصمة الأردنية عمان. عاش طفولة مشبعة بأجواء روائية غير معلنة، بدءًا من جدته التي كانت تحكي الحكايات، مرورًا بأسرته المحتشدة بالأفراد، فهو الحفيد الأول لجد تزوج ثلاث نساء، فأنجب أحد عشر ولدًا، وأربع بنات، في بيئة تغوص في القحط، والفقر، والزحام نحو لقمة ليس من اليسير الحصول عليها، وصولًا إلى شفافيته الخاصة التي جعلته ينظر إلى ما يدور حوله على نحو مختلف عما يراه الآخرون، يرى ضيق الأفق الذي يدور به الإنسان إلى حد الاختناق، في ما آفاق الحياة أكثر رحابة وسعة.
لعل جدته هي معلمه الأول، إذ يقول عنها: "كانت تروي الحكاية بوعي سردي عجيب، وبداية شيقة، واصفة للمكان، وللزمان، وللشخصيات بمستوى لافت. تتدرج في سردها للحكاية مستحوذة على انتباهنا، تستدرجنا إلى معرفة ما ستؤول إليه، حتى إنها في أسلوبها تركت لي مساحة لعيش الحكاية وفق منظور تصوري لحدث له أن يخلق حكاية المتلقي الخاصة. إضافة إلى قيم أخلاقية وإنسانية تتوقف عندها، وتشدد عليها بوعي عظيم. منذ ذلك اليوم بت أكثر التصاقًا بجدتي، وحكايات ترويها بوعي سردي فطري فريد".
كان جلال يعيش كأنه وحده، أسير حكايات جدته، وهو ما زال في السابعة من عمره. وأسير مشاهداته، التي كان يتفرد بها رغم أنها على مرأى من الجميع. مشاهدات تكدست في رأسه الصغير، وتخمرت مع الوقت، إلى أن أينعت وأزهرت أعمالًا إبداعية لافتة. مشاهدات تركت أثرًا عميقًا في داخله، جعلته يشعر أن ثمة الكثير من الزيف، وأن "الحقيقة نجمة لا يراها إلا قلة ممن مس قلوبهم الوجع".

في روايته "نشيج الدودوك" (*) يسرد جلال برجس سيرته الذاتية الروائية، وقد اعتُبرت سيرة روائية، لأن في السيرة الذاتية يحضر صاحب السيرة فقط، فيما أن الشخصيات الأخرى تكون عابرة، أما في "نشيج الدودوك" فكان هناك الكثير من الشخصيات والأجواء حضرت في العمل، غير جلال برجس، أو إضافة إليه.
كتب على غلاف كتابه هذا: "مثلما صرت عازف عود من دون نية مسبقة، صرت كاتبًا. ثمة محطات في الحياة تصبح أجمل حين نصلها من غير تخطيط مسبق. في بادئ الأمر نتعجب مما يجري، كمن وجد نفسه في مكان غريب عنه، ثم حين يتذكر أنه كان يمارس المشي، وجاءت به قدماه إليه، فشعر أن هذا مكانه، استوطنه. نعم، لقد صارت لي الكتابة وطنًا موازيًا، إن توقفت عن بنائه سيموت، فأموت. الكتابة وطن لن يكتمل رغم كل البيوت التي بنيناها على أرض الورق. إن كتبت عن شجرة، فإني أشير إلى يدي، وإن كتبت عن السماء فإني أقصد روحي، وإن كتبت عن البيت، والطريق، والناس، والبحار، والأنهار، وحتى عن الذي لم يأت بعد، فإني أكتب عني".
ثم يقول: "لم أختر أن أصبح كاتبًا، ثمة حادثة وقعت لي في صباي جعلتني أرى جيدًا، ومن يومها وأنا أحاول شرح ما رأيت".
في تأكيده هذا، يوضح برجس أنه لم يقصد أن يكون كاتبًا، لكنه وجد نفسه يكتب، وهذه إشارة مهمة إلى أن الكتابة ليست فعلًا متعمدًا، بل هي فعل ملزم لمن يمتلك الموهبة اللازمة. فعل يجبر عليه الكاتب، وليس مخيرًا به، وثمة فرق بين أن تكون مجبرًا أو مخيرًا، فأن تكون مجبرًا يعني أن تكون الكتابة شاقة ومتعبة، أي أن تكون صاحب تجربة متفردة، أو أن تكون مسكونًا بهواجس أفرزها الوجع، وشكلها حزن دفين: "لا أشعر بمتعة أثناء كتابة الرواية، شعوري يشبه شعور من علقت في حلقه لقمة ناشفة يجاهد أن يتخلص منها". أما حين تكون مخيرًا، فإن الكتابة تصبح ترفًا، وكل ترف يخلو، حتمًا، من المحتوى.

"يوضح برجس أنه لم يقصد أن يكون كاتبًا، لكنه وجد نفسه يكتب، وهذه إشارة مهمة إلى أن الكتابة ليست فعلًا متعمدًا، بل هي فعل ملزم لمن يمتلك الموهبة اللازمة"



هو يقول إن الكتابة أشبه بلقمة ناشفة علقت في حلقه، وأنا أرى، من وحي ما قرأت له، أن الحياة كلها قد تصبح لقمة عالقة في الروح، فتتحول الكتابة إلى خلاص ما، إلى ضوء في نفق مظلم، إلى طوق نجاة من الحياة، وصياغة حياة أخرى نكتبها كما نريدها أن تكون.
يقول: "حين قرأت أول كلمة في حياتي سمعت صرير باب يفتح، ورأيت شيئًا من النور يتجرأ على العتمة". لاحظوا استخدامه لكلمة (العتمة) فهي تدل على متاهة ما، يعيشها الكاتب، أو الشخص الذي كانه. كما أنها تدل على غربة ما، فحين وصل سن الخمسين، كان يرى نفسه "كهلًا بشعر أبيض، وظهر متقوس، بلا رغبات، بلا مطامح، بلا أحلام سوى أن يعود إلى رحم أمه، الذي يرى خروجه منه كان خديعة كبرى". إنه الحنين، مرة أخرى، إلى العتمة، أو بالأحرى، هو الدليل على أن الكتابة ليست خيارًا، قد نقصده، أو نهمله، بل هي مصير لا بد منه، فلو لم يجد جلال برجس خلاصه في الكتابة، فسوف يموت، والموت، بالنسبة له، أن يصبح مطمئنًا، "ينفق أوقات حياته مستمتعًا بحزن في أوقات تستوجب الحزن، ويفرح في أوقات تستحق ذلك". وكأن الأصل في الحياة أن نعيشها بترقب وخوف، أو كأن الحياة تفرض هذا النمط من الحياة، ومن يعيش غير ذلك يبدو كأنه يغرد خارج السرب. إنه قلق المبدع الذي يجد الاطمئنان عصيًا إن لم يجد مخرجًا لما يختمر في داخله. هناك حزن أبعد من الحزن العادي، هناك فرح أبعد من الأفراح العادية، هناك الاستثناء الذي لا يتم التعبير عنه إلا بالكتابة.
في قراءاته الأولى، استوقفته عبثية الروائي ألبير كامو في رواية "الغريب": "اليوم ماتت أمي، وربما أمس، لست أدري"، ويرى أن في هذه الرواية لا يمكن الفصل بين شخوص الرواية وبين مؤلفها. وهذا ما ينطبق عليه أيضًا، إذ لا يمكن الفصل بين شخوص رواياته وبينه.
يقدم جلال برجس في سيرته الذاتية (الرواية) "نشيج الدودوك"، مفاتيح تجربته في الكتابة: "حين كتبت أول كلمة، شعرت بأول خطوة غير مترنحة على طريق لم أقل لأحد عنها".
و"كل كلمة أكتبها هي شوكة أنتزعها من دواخلي، لتصير وردة في حقول الآخرين".
اللافت أن برجس، رغم غزارة إنتاجه الأدبي، إلا أنه لم يكن متفرغًا تمامًا للكتابة، ربما لأنه لم يكن معنيًا في أن يكون كاتبًا، أو ربما لأنها حياة الفقراء التي تجعل من الأولويات البحث عن لقمة العيش، عبر وظيفة ما. تخرج من مدارس محافظة مأدبا، ثم درس هندسة الطيران الحربي وعمل في سلاح الجو الأردني حتى عام 2007، انتقل بعدها للعمل في الصحافة الأردنية.
بدأ بنشر نتاجه الأدبي في أواخر التسعينيات في الدوريات والملاحق الثقافية الأردنية والعربية. وقد حظي بعضوية الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين. يشغل موقع رئيس مختبر السرديات الأردني، ورئيس تحرير مجلة "صوت الجيل"، وكان رئيسًا سابقًا لعدد من الملتقيات الأدبية، مثل ملتقى مأدبا الثقافي، وملتقى أطفال مأدبا الثقافي، اللذين أسسهما بمعية عدد من الأدباء والناشطين في العمل الثقافي، وترأس هيئتيهما لدورتين متتاليتين.
ترأس هيئة تحرير مجلة "أمكنة" الأردنية التي تهتم بأدبيات المكان، قبل توقف صدورها. يعد ويقدم برنامجًا إذاعيًا بعنوان "بيت الرواية" عبر أثير إذاعة مجمع اللغة العربية الأردني.
صدر له، غير ما تمت الإشارة إليه في المقال، في مجال الشعر "كأي غصن على شجر"- 2008، و"قمر بلا منازل"- 2011. وفي أدب المكان "رذاذ على زجاج الذاكرة"- 2011، و"شبابيك تحرس القدس"- 2012.

(*) الدودوك: آلة موسيقية أرمنية شبيهة بالناي.