نسرين الطويل
في كل مجتمع، ثمَّة طريق واسع مُمهَّد، يسير عليه الجميع مطمئنين. هذا هو العقل الجمعي — نظام التشغيل الجمعي الذي يقدم إجابات جاهزة، ويوفر راحة الانتماء.
لكن هناك دائماً من يقف على الحافة، وينظر إلى الصحراء المحيطة... ويمشي. هذا هو الثائر، الذي نسميه "معقداً" لأننا نخلط بين التعقيد والعمق.
"الشخص المعقول يتكيف مع العالم، وغير المعقول يصر على تكييف العالم مع نفسه. ولهذا فإن كل تقدم يعتمد على الإنسان غير المعقول."
— جورج برنارد شو
لماذا نراه معقداً؟
· لأنه يكسر الانسجام المريح الذي سميناه "حياة".
· لأنه يحمل تناقض الحب النقدي: يحب مجتمعه حتى النخاع، وهذا ما يدفعه إلى نقده حتى العظم.
· لأنه يتكلم لغة واحدة في عالم يعيش على لغتين: لغة الخطاب العلني، ولغة الهمس الخاص.
كيف يتعايش المجتمع مع أزمته الأخلاقية؟
يحدث ذلك بتحويل التناقض إلى طقس يومي، وبإنتاج لغة مزدوجة تسمح له بالعيش مع ذاته المتنافرة.
لكن الثائر يأتي بلغة الصدق الواحدة، ويقدّم المرآة التي نرفض النظر فيها.
الخلاصة: الحل الذي نظنه مشكلة
الثائر ليس معقداً — بل هو بسيط بشكلٍ مرعب.
بسيط لأنه يريد الحقيقة العارية، ولا يقبل أن يعيش نسخة مكرورة.
نراه صعباً لأننا اخترنا السهولة، ومعقداً لأننا اعتدنا السطحية.
في اللحظات التاريخية الحاسمة، يدرك المجتمع أن هؤلاء "المعقدين" كانوا الأبسط:
هم من أحبوا الوطن كفاية ليقولوا له الحقيقة.
هم من آمنوا بالإنسان كفاية ليخاطروا براحتهم من أجله.
الثائر ليس مشكلةً تحتاج إلى حل —
بل هو الحلُّ لمشكلة لم نعترف بها بعد




