سارة طالب السهيل
الطفولة المبكرة خاصة فترة الرضاعة وحتى عمر الرابعة من أهم فترات رعاية الطفل ونموه الصحي والعاطفي والعقلي، وغياب الأم عن الطفل فترة السنوات الأربع الأولى من عمره، من وجهي نظرة كارثة بالمقاييس كلهم.
فغياب الأم؛ بسبب الوفاة المفاجئ هذا أمر إلهي لا شأن لنا به، وقد تتولى الجدة للأب أو الأم رعاية الطفل الرضيع وتنشئته، بينما الأم التي على قيد الحياة فلا ينبغي لها التفريط في صغيرها تحت أي ظرف، سواء كانت امرأة عاملة، وتحتاج إلى راتبها لمساعدة الزوج في الإنفاق، أو كانت امرأة ميسورة الحال، لكنها مشغولة بنفسها وأناقتها وصديقاتها وحياتها الاجتماعية على حساب طفل صغير لا يريد من الدنيا سوى أمه ليشعر بالأمان، ويربى بطريقة صحيحة.
إما أن تلقي الأمهات بأطفالهن بدور رياض الأطفال في سن الرضاعة تحت أي ظرف يدفعها لذلك فهذا غير مقبول إنساني وأخلاقي ، وأسال هذه الأمهات لماذا أنجبن وهن غير قادرات على تحمل أمانة مخلوقات ضعيفة استودعها الله أمانة غالية لديكم.
والجنة تحت أقدام الأمهات ثمرة لكل من رعى الصغير، ووفي بحق الأمانة المربوطة بعنقه، أما إذا فرط بحقوق هذه الأمانة فلا يستحق الفوز بهذه الجنة، ولتبقى الحيوانات أشرف من بعض البشر في رعاية صغاره.
فالقطة تخبئ صغارها لمدة ثلاثة أشهر، وتخفيهم بعيدا عن أية مخاطر خلال فترة احتضانهم ورضاعتهم، ثم تخرجهم من المخبئ شيئا فشيئا لكي يتعرفوا على العالم من حولهم، ويكتسبوا مهارات الحياة.
وأظن أن الأمهات لسن بأقل من القطط فطنة لهذا الأمر، والأجدر برعاية الصغار وعدم الإلقاء بهم في مهب ريح المخاطر والإساءة والعنف داخل حضانات الأطفال بما قد يدمر مستقبلهم.
بالضرورة، فإنني لا أنكر أهمية دور رياض الأطفال في التنشئة الاجتماعية الأولى للطفل، ومساعدة الأسرة في خلق الحافز لأطفالها على سرعة التكيف مع المحيط الاجتماعي وتكوين صداقات وتزويدهم بخبرات رياضية وفنية ولغوية تدعم ثقتهم بأنفسهم.
غير أن الكثير من دور رياض الأطفال تفتقر المواصفات القياسية الآمنة لرعاية الطفل وحمايته من أي مخاطر أو عنف، أو انتهاكات جسدية، أو لفظية أو صحية.
فالكثير من الأطفال يتعرضون للإهمال داخل دور الحضانة لغياب الإشراف الدقيق والمتابعة، فقد يتعرض الطفل للإصابات نتيجة السقوط في أثناء اللعب، والحرق بوسائل التدفئة، وقد تلجأ بعض الحضانات عديمي الشرف والإنسانية لإعطاء الطفل منوما لوقف صراخه وافتقاده لأمه، أو وضع شريط لاصق على فم الطفل لمنع بكائه في جريمة بحق الطفولة البريئة.
وقد تتم معاقبة الطفل بوضعه في مكان مغلق منفرد أو ركلة بالقدم أو ضربه وشتمه من جانب العاملات المربيات بالحضانة ناقصي الرحمة.
ولا شك في أن مثل هذه الجرائم بحق الطفل تؤثر سلبا على نموه النفسي والعقلي بما يؤدي إلى انخفاض مستوى الذكاء والخوف من الآخرين وعدم القدرة على التواصل معهم، وفقدان الثقة بالنفس واحترام الذات.
والكارثة أن الطفل قبل سن الخامسة لا يتمكن من التعبير عما يعانيه من إساءة داخل الحضانة والكشف عما يؤذيه، ولولا رؤية الأم لأية مظاهر من إصابات بجسد صغيرها، ما اكتشف الأمر مثل علامات عض أو القرص وعلامات حروق أو جروح بعد عودته من الحضانة، أو إذا كانت أكثر ذكاء تلاحظ عليه الخوف والانطواء وتغير في الطباع أو التبول اللاإرادي وعلامات سلوكية أخرى حسب ما تعرض له من عنف.
وينعكس العنف الممارس بحق طفل الحضانة على سلوكه عند عودته إلى المنزل، فنجده عنيفا عنيدا وخائفا يميل إلى تحطيم الأشياء، يجد صعوبة في النوم، ويجد صعوبة في الكلام بعد أن كان قبل ذلك يتكلم بسهولة، حالات أخرى بالميل إلى العزلة وغيرها من المظاهر المسكوت عنها.
وكم نسمع من القصص المؤلمة بحق انتهاك سلامة الأطفال بالحضانات في مختلف دولنا العربية من المحيط إلى الخليج، من انتهاك جسدي في إحدى الدول إلى عنف وضرب الصغار على أيدي مديرة حضانة شهيرة بمدينة أخرى وما يحصل في إحدى الدول من إطعام الأطفال بطرق وحشية وأحيانا تجويعهم وإطعامهم مأكولات لا تتمتع بالشروط اللازمة من نظافة وإفادة
وما يحصل في بعض الحضانات من شتم وأذية وترويع وممارسة كافة العقد النفسية التي يتمتع بها بعض العاملين في الحضانات.
ناهيك عن تعليمهم العادات السيئة والألفاظ الغير راقية والسلوكيات غير المرغوبة في سن مبكر يتم به تأسيس العقل وتحديد السلوك وتعليم الصح من الغلط.
وقبل هذا كله هذا هو السن الذي يحتاج به الطفل إلى الحب والحنان وحضن أمه ورعايتها وعطائها فهو ما زال هين لين مسكين لا يستطيع الدفاع عن نفسه فانتي سنده وضهرة وأنت القوة التي يتكئ عليها، و انتي الحب الذي يحتاجه.
من هنا، فإنني أدعو كل أم عاملة إلى أخذ إجازة من عملها لمدة أربع سنوات لرعاية طفلها الرضيع، ولا تستسهل وضعه بإحدى الحضانات، وإذا فشلت في أخذ إجازة من عملها بالقطاع الخاص فعليها فورا تقديم استقالتها لرعاية صغيرها ولتعش في فقر مدقع خير من عمل يخسرها ابنها فلذة كبدها إلى الأبد، فالطفل أغلى من العمل والراتب والحياة الاجتماعية وهو أمانة في أعناق أهله، ومن لا يستطيع حمل الأمانة من الأفضل له أن لا ينجب؛ لأن الإنجاب ليس إجباراً فهو تكليف وتشريف لمن هو أهل له وهو ليس إجبارياً لمن لا يستطع أن يكون أب أو أماً جيداً يخاف على أولاده، ويرعاهم وينشئهم تنشئة حسنة.
وإذا كانت المرأة لا تستطيع ترك عملها، فمن باب أولى أن توقف الإنجاب حتى تتيسر أمور معيشتها وتتحسن، في ذلك الوقت يمكن التفكير بالإنجاب وأخذ إجازة طويلة لرعاية الصغار.
أما الأم الميسورة الحال، فعليها أن تختار بشرف بين حياتها الاجتماعية الخاصة، أو أمومتها، فالطفل الرضيع ليس بوكيه ورد تمسكه الأم بيديها للتجميل والزينة وشم العطر فقط، أو جروا صغيرا تتمشى به في الحديقة أمام صديقاتها فحتى الحيوان الأليف يحتاج منك الحب والرعاية والاهتمام، فالطفل هو روح غالية تستحق التضحية بكل نفيس من أجل صونها وحمايتها.
وبالعموم، فإنني ضد وضع الطفل بدور رياض الأطفال قبل إتمام سن الخامسة، لأن ما قبلها يكون الطفل غير قادر عن الإفصاح عما يؤذيه من انتهاكات وإساءة وإهمال.
فتوصياتي من خلال هذا المقال:
أولا: وضع قانون يحمي الأم العاملة لمساعدتها أول خمس سنوات، حتى لو كان من وجهة نظركم أنها سنوات طويلة.
ثانيا: عمل فحص وامتحانات نفسية وأخلاقية وبيئية، لكن يعمل في مهنة التربية والتعليم ر خاصة للأطفال الصغار.
ثالثا: توصية للأم بأن لا ترسل طفلها بعيدا عنها في سن مبكر، بل تقوم هي بدورها في رعايته وتربيته وتعليمه الأمور الأولية بنفسها.
وهو ليس مستعجلا للانخراط في الحياة قبل الخامسة، فيمكنها عمل ذلك من البيت وأيضا إطلاقه الحياة الاجتماعية وتكوين صداقات تحت أعينها من أطفال الأقارب والأصدقاء والجيران
رابعا:
أجد من الضروري التوسع في وضع كاميرات المراقبة بالحضانات، وقيام مؤسسات الشؤون الاجتماعية الرسمية بتدقيق الإشراف والرقابة على الحضانات والمعلمات العاملات بها، ومجازاة كل من يقصر بحق الطفل ورعايته، أو يتسبب في إيذائه حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر.