د. نوفان العجارمة
القلعة نيوز- لا تعتبر موافقة البرلمان على مشاريع القوانين المقدمة إليه هي الإجراء الوحيد والأخير لميلاد القانون، بل هناك إجراءات أخرى يتعين اتباعها، وهي وجوب تصديق جلالة الملك (كرئيس للدولة) على هذا المشروع وموافقته عليه.
وقد استخدم المشرع الدستوري الأردني أكثر من تعبير في هذا الشأن، فالمادة (31) من الدستور استخدمت تعبير (الملك يصدق على القوانين ويصدرها) والمادة (93) من الدستور استخدمت تعبير (كل مشروع قانون أقره مجلسا الأعيان والنواب يرفع إلى الملك للتصديق عليه) وفي الفقرة (2) من ذات المادة استخدمت تعبير (يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك)، والمادة (94/1) من الدستور استخدمت تعبير (يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة).
وقد نصت الفقرتان (3) و(4) من المادة (93) من الدستور على حق جلالة الملك بنقض القوانين بالقول: (.. 3. إذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه اليه ان يرده الى المجلس مشفوعاً ببيان اسباب عدم التصديق.. 4. إذا رد مشروع أي قانون (ما عدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة و أقره مجلسا الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ إصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق . فاذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز اعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على أنه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية))
اما فيما يتعلق بالدستور فقد أفرد له المشرع الدستور حكماً خاصاً في الفقرة (1) من المادة (126) من الدستور حيث اشترطت تلك الفقرة موافقة أكثرية ثلثي أعضاء كل من مجلسي الاعيان والنواب لإقرار هذا وفي كل الأحوال (لا يعتبر التعديل نافذ المفعول ما لم يصدق عليه الملك).
ولابد لنا من الحديث عن أهمية حق التصديق وطبيعة هذا الحق وحالات استخدامه من قبل رئيس الدولة في النظام البرلماني وكما يلي:
اولاً: أهمية حق التصديق:
لابد من بيان أهمية وفلسفة هذا الحق (حق التصديق) ولماذا يشترط الدستور موافقة رئيس الدولة؟ ولماذا لا يكتفى بما يقرره مجلس الامة بهذا الشأن؟
لقد ثار خلاف كبير بين فقهاء القانون العام حول الإجابة عن هذا التساؤل وقد كان للمدرسة القانونية الألمانية السبق في الحديث عن دور كل من البرلمان والملك في العملية التشريعية حيث ذهبوا إلى التفرقة في عمل القانون بين دورين هامين:
الأول: هو تحديد محتوى القانون وذلك دور البرلمان، وهو دور تنحصر أهميته في تحديد وتقدير ما يجب أن يحتويه القانون. ويصوت عليه بالموافقة، فالبرلمان يصرح لرئيس الدولة بالتصديق عليه، وبالتالي تكون موافقة البرلمان على مشروع القانون هي المرحلة الأولى التي لا بد منها لإمكان تصديق رئيس الدولة عليه.
الثاني: هو إصدار القرار الذي يعطي القانون قيمة الأمر والإجبار وهذا هو دور الملك عند التصديق على القانون. فعملية التصديق هي وحدها التي لها قيمة تشريعية بالمعنى الصحيح في نظر القانون العام، لأنها تعطي الصفة الإجبارية للقانون، فالتصديق يعتبر جزءاً من العملية التشريعية، ولا يمكن أن يصبح القانون واجب النفاذ بدونه.
ويُعد حق الاعتراض على القوانين هو أحد الأركان التي تحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فلا يكفي لحسن تطبيق مبدأ فصل السلطات أن تباشر كل سلطة الاختصاصات التي حددها لها الدستور وإنما يجب أن تتسلح كل سلطة بما يكفل لها وقف تعدى السلطات الأخرى. من هنا كانت الحاجة إلى النص على حق الاعتراض لضمان مخرجات العملية التشريعية بحيث تلبي المصلحة العامة ، ويعتبر تصديق جلالة الملك بمثابة شهادة ميلاد للقانون، حيث يظل العمل المعروض على الملك هو مشروع قانون إلى أن يتم التصديق عليه فيصبح قانوناً.
ثانياً: من حيث طبيعة حق التصديق:
هل حق التصديق الممنوح لجلالة الملك بموجب الدستور هو حق نقض (فيتو) نهائي لا رجعة فيه أم هو مجرد اعتراض توقيفي؟
الفارق بين حق التصديق (الفيتو) وحق الاعتراض يكمن في أن التصديق هو حق تقرير وهو بذلك يعد سلطة مطلقة تؤدي الى انهاء التشريع في مهده وهذا قرار لا رجعة فيه ولا معقب عليه، أما حق الاعتراض فهو حق ذي سلطة محددة. فهو حق تنفيذي يمنح لرئيس الدولة، لكي يظهر للبرلمان المساوئ المترتبة على تنفيذ القانون المقترح، وللبرلمان الحرية في الأخذ برأي الرئيس أو العدول عنه. وبذلك يكون حق الاعتراض حق توقيفي، لأنه يتعين على البرلمان دراسة مشروع القانون مرة ثانية، فإذا عاد الأخير وأقر المشروع مرة أخرى صدر القانون رغم اعتراض رئيس الدولة عليه.
وفي النظام الدستوري الأردني لابد من التفرقة بين التشريع الدستوري والتشريع العادي:
1. بالنسبة لتعديل الدستور:
تنص المادة (126/1) من الدستور على " تطبق الاصول المبينة في هذا الدستور بشأن مشاريع القوانين على أي مشروع لتعديل هذا الدستور ويشترط لإقرار التعديل ان تجيزه اكثرية الثلثين من أعضاء كل من مجلسي الاعيان والنواب وفي حالة اجتماع المجلسين وفاقاً للمادة (92) من هذا الدستور يشترط لإقرار التعديل ان تجيزه أكثرية الثلثين من الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس وفي كلتا الحالتين لا يعتبر نافذ المفعول ما لم يصدق عليه الملك ".
ونص الفقرة السابقة قاطع في دلالته فيتعذر التعديل الدستور دون موافقة جلالة الملك، فيجب أولاً أن يصدر البرلمان بمجلسيه وبأغلبية الثلثين لأعضائه قراراً بضرورة هذا التعديل، وثانياً لابد من تصديق جلالة الملك على مشروع التعديل وتعد موافقته هنا ضرورية وبدونها لا يمكن استكمال إجراءات تعديل الدستور وسلطات الملك في هذا المجال سلطات مطلقة لا تحد منها أي سلطة أخرى. فحق تصديق (فيتو) هو بلا شك حق تشريعي يجعل من رئيس الدولة عضواً مساوياً في التشريع للبرلمان، وإرادته مساوية تماماً لإرادة ممثلة الأمة، فاذا لم يصادف مشروع التعديل موافقة جلالة الملك اعتبر كأن لم يكن ولا يستطيع البرلمان التغلب عليه بهذا الشأن.
2. بالنسبة للتشريع العادي:
وفقاً لنص الفقرتان (3) و(4) من المادة (93) من الدستور يتضح أن عدم موافقة جلالة الملك على مشروع القانون ليست سلطة مطلقة يصعب التغلب عليها وإنما هي سلطة نسبية يمكن التصدي لها بالأغلبية المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور فحق التصديق المنصوص عليه في تلك المادة هو في حقيقته مجرد حق اعتراض توقيفي.
فقد يرفض الملك التصديق على مشروع القانون المعروض عليه من البرلمان، وقد تناولت المادة (93) من الدستور على مدى حقه في رفض التصديق وأثر ذلك حيث جاء نص فقرة (3) من المادة (93) على النحو التالي " إذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه ان يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق".
تتعرض هذه المادة لحالة موافقة البرلمان وإقراره لمشروع قانون معين ثم يقوم بعرضه على جلالة الملك من أجل التصديق عليه ولا يخرج موقف الأخير عن أحد فرضين:
الأول: الاعتراض على المشروع مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق وإعادة مشروع القانون مرة أخرى إلى البرلمان بهدف أن يعيد الأخير النظر في المشروع ثانية بناءً على أسباب عدم التصديق ويجب ان تصدر الإرادة الملكية بعدم التصديق خلال مدة (6) أشهر من رفع المشروع للسدة الملكية.
الثاني: أن يسكت الملك عن اتخاذ موقف محدد حيال المشروع المعروض عليه، فلا يرفض التصديق ولا يعيده إلى البرلمان خلال الميعاد المحدد لذلك (مدة الستة أشهر)، وقد أعتبر الدستور هذا الموقف بمثابة تصديق ضمني( نافذ المفعول وبحكم المصدق) على المشروع المعروض على الملك، ويصبح قانوناً ويصدر، ولكن بشرط أن تمر مدة الستة اشهر من تاريخ رفع المشروع اليه وبمجرد انتهاء هذه الفترة يترتب ذلك الأثر، أما خلال الستة اشهر فلا يمكن تفسير سكوت الملك على أنه قبول للمشروع أو رفض التصديق عليه، أو أنه في طريقة إلى رده للبرلمان.
والسؤال الذي يطرح نفسة هنا: ما هو دور البرلمان إذا رد إليه المشروع مرة ثانية؟
أجابت الفقرة (4) من المادة (93) من الدستور على هذا التساؤل بقولها " إذا رد مشروع أي قانون ( ما عدا الدستور ) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة و أقره مجلسا الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ إصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق .فإذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز إعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على أنه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية ".
يتضح من هذا النص أن البرلمان يتخذ أحد موقفين بصدد مشروع القانون المعاد إليه من الملك خلال الفترة الزمنية المنصوص عليها في الفقرة (3) من المادة (93) وهما:
1. إما أن يوافق البرلمان على مشروع القانون المعاد إليه بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين، وهنا يأخذ المشروع المعاد شكل القانون ويجب إصداره من قبل جلالة الملك.
2. وإما أن تكون الأغلبية التي تقر مشروع القانون المعاد إلى البرلمان، أقل من الثلثين، في هذه الحالة يمتنع البرلمان عن نظر المشروع في ذات دورة الانعقاد، وإذا عاد إلى إقرار مشروع القانون مرة ثانية في دورة انعقاد أخرى في هذه الحالة تكفي برأينا الأغلبية المطلقة لإضفاء صفة القانون على المشروع وإصداره.
نلخص إلى القول إلى أن حق التصديق الذي تقرر لجلالة الملك في الدستور بالنسبة للتشريع العادي هو مجرد حق اعتراض توقيفي يمكن التغلب عليه بأغلبية معينة. فحق جلالة الملك في الاعتراض على القوانين لا يعني الحق المطلق وإنما هو حق اعتراض نسبي "توقيفي" طالما أنه يمكن التغلب على إرادة الملك بموافقة أغلبية برلمانية معينة وهي اغلبية الثلثين الذي يكون منهم كل مجلس.
مع التنبيه ان الاعتراض على القوانين في الدستور الأردني يأخذ حكم الاعتراض الإجمالي وليس الاعتراض الجزئي وحتى لو تعلق الاعتراض بنص محدد، وهو ما اخذ به المشرع الأمريكي أيضا بما يسمى بالنقض العادي، فالنقض الرئاسي الأمريكي يتوجه إلى مجمل مشروع القانون لا إلى أحد أحكامه.
ثالثاً: ما هي حالات استخدام حق النقض أو حق الاعتراض من قبل رئيس الدولة ؟
لم يحدد الدستور حالات وأسباب محدد يملك اللجوء إليها لاستخدام حق الاعتراض فالمشرع الدستور أوجب على جلالة الملك تسبيب عدم تصديق القانون المرفوع إليه بالقول (مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق)
ويجب أن نشير إلى أن الاعتراض او عدم التصديق وإن كان هو المثل الحي لاشتراك رئيس الدولة في العملية التشريعية، إلا أن هذا الحق لم يستخدم كثيراً من الناحية العلمية وهذا يرجع لعدة أسباب منها:
1. ليست القوانين الأسلوب الوحيد للتشريع في الدولة فالحكومة تملك إصدار الأنظمة والقوانين المؤقتة في حالة الضرورة.
2. وجود الحكومة أثناء مناقشة مشاريع القوانين وبالتالي تملك – بحكم امتيازاتها- إجراء ما يلزم من تدخلات وضغوطات وتقديم الإيضاحات للبرلمان لإجراء التعديل على مشاريع القوانين تفادياً الى تدخل الملك واستخدمه لحق النقض.
3. إضافة الى ما تقدم فأن الحكومة البرلمانية تملك حق الاعتراض من خلال الأغلبية المؤيدة لها في البرلمان مما لا يدع مجال لرئيس الدولة باستخدام لحق النقض ورفضه بالتالي التصديق على مشروع القانون.
4. في النظام الرئاسي الأمريكي يتم استخدام ما يسمى التهديد بالنقض وهو عبارة عن اعتراض وقائي ضد مشروع القانون لتجنب نقضه بالمستقبل، فيوجه الرئيس الأمريكي اعتراض وقائي ضد مشروع القانون المعروض على الكونغرس لدراسته، وفي حال تجاهل هذا الاعتراض قد يواجه بنقض رئاسي.
ومع ذلك فقد استخدم حق النقض في النظام الدستوري الأردني والمقارن في العديد من الحالات نذكر منها على سبيل المثال:
1. تصحيح ما شاب مشروع القانون من أخطأ في التحرير او الصياغة مثلا وقد نصت المادة (36) من الدستور الفرنسي لسنة 1946 على هذه الحالة.
2. مخالفة الدستور: إذا تضمن مشروع القانون احكاماً مخالفة للدستور، وقد استخدم جلالة الملك هذا الحق مرتين بعدم تصديقه لمشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني لسنة 2014 ومشروع قانون اللامركزية لسنة 2015. وقد استخدم الرئيس الألماني هذا السبب 3 مرات ما بين عامي (1954- 1975). واستخدم الرئيس البرتغالي سبب عدم الدستورية في عام 1977 بالنسبة لقانون الانتخاب.
3. احياناً يطلب رئيس الدولة إعادة عرض مشروع القانون على البرلمان مجدداً لأسباب سياسية استجدت بعد إقرار المشروع من قبل البرلمان، أو لمعارضة رئيس الدولة لمضمون هذا القانون بشكل كلي، بهدف تحقيق المصلحة العليا للدولة والامثلة على ذلك كثيرة منها:
• ما قاله الملك الإنجليزي جورج الثالث بأنه "لن يوافق على أي قانون يستهدف مصلحة الكاثوليك – وإنه يفضل أن ينال عداوة كل أوروبا على أن يوافق على هذا القانون".
• ما قالته الملكة "فيكتوريا" انها "لن توقع على قانون يستهدف إنشاء جيش بريطاني ينفصل عن جيش التاج".
• ما نهجه الملك "جورج الخامس" أنه لا (يستخدم هذا الحق إلا إذا كان هناك برلمان فاسد و حكومة غير دستورية يقرران قوانين مخالفة للنظام الدستوري).
• حق الاعتراض المقدم من الرئاسة الفرنسية: حيث تم طلب مناقشة جديدة لمشاريع القوانين (11 مرة) في عهد الجمهورية الرابعة (1946-1958) و (مرتين) في عهد الجمهورية لخامسة، ومنها ما يتعلق بعدم الدستوري لأن الرئيس الفرنسي يملك إحالة المشروع مباشرة الى المجلس الدستوري، وبعض هذه الاعتراضات تتعلق بقوانين أساسية كأقاليم ما وراء البحار (كاليدونيا) و وتغيير الجنسية و المالكين و المستأجرين و الحصانة البرلمانية و الطفولة وغيرها.
هذه كلمة موجز بشأن حق الاعتراض على القوانين وضعت بأسلوب مبسط، بعيدة عن العمل الأكاديمي الصارم والذي يكون بالعادة مثقل بالوثائق والمراجع عمادة الجدل والخوض في الجزئيات والتفاصيل والتي لا تهم القارئ العادي في أغلب الأحيان.