======================
"إجمالاً، يمكن القول إن هناك تحديات تواجه الدول العربية على وقع تداعيات "طوفان الأقصى" ينبغي وضع سياسات تتعامل معها، ومن ذلك مستقبل الجماعات من دون الدولة وكيفية إدماجها لإنهاء محاولات إضعاف الدولة المركزية، وإيجاد خطاب إعلامي وسياسي يبرز الدور العربي في دعم القضايا العربية ويدحض الخطاب الإيراني" - الكاتبه-
بيروت- القلعه نيوز - كتبت د. هدى رؤوف* في صحيفة انديبندت عربيه
هل يتجه الشرق الأوسط نحو إعادة هيكلته؟. نعم. ليس ما قبل "طوفان الأقصى" كما بعده. ومن المؤكد أن المحللين والمؤرخين سيتعاملون مع الهجوم الذي قامت به حركة "حماس" العام الماضي باعتباره نقطة تحول تؤرخ لتغيرات كثيرة تشهدها المنطقة، سواء معادلات الصراع والأمن على مستوى التفاعلات الإقليمية أو دور القوى الخارجية، أو العلاقات العربية مع دول الجوار مثل إيران وإسرائيل، وكيف تموضع الدول العربية سياستها في إطار معادلة الصراع الإيراني- الإسرائيلي الذي بدأ يشهد تحولات لم تطرأ من قبل.
تتزامن التفاعلات الإقليمية تلك مع ضوء أخضر دولي حصلت عليه إسرائيل للتصرف المنفرد في كل الساحات الإقليمية. بعد مرور عام على عملية "طوفان الأقصى" التي اندلعت بعدها تحركات عسكرية إسرائيلية أشعلت حرباً في غزة وأخرى في لبنان، يمكن القول إن الشرق الأوسط شهد أربعة ملامح رئيسة تسيطر على الشرق الأوسط على وقع تلك التحولات، الأول، هو خلق بؤرة صراع جديدة، وهي توترات البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين، والثاني هو إعلان إسرائيل تقويض ما يسمى "محور المقاومة" وليس بالضرورة القضاء عليه نهائياً.
أما الملمح الثالث، فهو أن الزهو الإيراني بـ"طوفان الأقصى" تحول إلى تحركات حذر وترقب من رد الفعل الإسرائيلي، مما أدى إلى خلل في توازن القوى لمصلحة إسرائيل وضعف قوة الردع الإيرانية وتحول حرب الظل إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ورابعاً يسيطر على الشرق الأوسط التنافس بين المشروع الإيراني والإسرائيلي والتركي مع ما يثيره من مخاوف على الأمن القومي العربي والداخلي.
وفقاً للملمح الأول والخاص بخلق بؤر توتر جديدة، عملت إيران على استغلال حرب غزة للإعلان عما يسمى "وحدة الساحات" و"جبهات الإسناد"، لذا كانت توترات البحر الأحمر التي تستخدمها طهران كجبهة جديدة لاستنزاف إسرائيل والتأثير الاقتصادي في الدول المطلة على البحر الأحمر ومن بينها دول عربية وخليجية تسعى إيران إلى التقارب معها، كما عملت على إدماج الدور الحوثي في البحر الأحمر ضمن الاستراتيجية البحرية التوسعية التي أعلنتها طهران، ومن ثم فمن غير المتوقع أن تتخلى إيران عن العلاقة مع الحوثيين أو العمل على تهدئة البحر الأحمر كإحدى أوراق الضغط الإقليمية حتى لو انتهت الحرب في غزة.
أما عن إعلان إسرائيل تقويض "محور المقاومة"، فقد عملت إيران من خلال التراخي وعدم رد الفعل على الاستهداف الإسرائيلي لها داخل أراضيها، على منح إسرائيل الثقة الكاملة للتحرك، ومن ثم التفوق الاستخباراتي والعسكري عليها، ولا يغيب هنا أن العامل الأهم لإيران كان الحسابات البراغماتية الخاصة بتهدئة توتراتها مع واشنطن وإحياء مفاوضات رفع العقوبات عنها وتوظيف الأوراق الإقليمية المتاحة لديها لتحقيق مكاسب إقليمية، لكن تحول الهدف الإسرائيلي نحو تقويض الميليشيات المكونة لـ"محور المقاومة" الذي بالفعل تجلت مؤشراته في عدم دخول سوريا في التطورات الإقليمية لأكثر من عام، والقضاء على القدرات العسكرية والقيادية لـ"حزب الله" و"حماس" وتحقيق اختراقات استخباراتية في الداخل الإيراني وصلت إلى أعلى المؤسسات الأمنية والعسكرية.
أما عن تحول الزهو الإيراني لترقب وحذر، فدفع طهران إلى تكليف وزير خارجيتها دبلوماسية إقليمية لفتح حوارات مع جيرانها من الدول العربية لضمان عدم التصعيد، ومع ذلك عملت الدول العربية والخليجية على احتواء إيران وإعلان موقف الحياد بما يجعلها بعيدة من تلك التصعيدات من جهة والبحث عن صيغة لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة من جهة أخرى.
أما التنافس بين المشروع الإيراني والإسرائيلي والتركي لمد النفوذ والسيطرة على الشرق الأوسط، فاتضح أن الصراع بين طهران وتل أبيب هو صراع بين مشروعين، ناهيك عن التركي، ولكن هذا الصراع لك منه ملامحه وأهدافه وأدواته، مما يهدد المصالح العربية، ويطرح التساؤل حول المشروع العربي في مواجهة المشاريع الأخرى.
وأخيراً، فإن تداعيات "طوفان الأقصى" كشفت عن تأثيراتها التي ينبغي الانتباه لها، فبينما كان تأثير تلك التوترات في أمن الدول العربية بالأساس مثل سوريا ولبنان وفلسطين من جهة، إلا أن لها آثار أخرى أكثر سلبية على الأمن القومي للدول العربية الأخرى غير المنتظمة في الصراع، فقد عملت إيران على استغلال حرب غزة ولبنان لإعادة الحياة لما يسمى "المشروع الإسلامي المقاوم" والعمل على إضعاف الدولة المركزية العربية لمصلحة الميليشيات والترويج لسرديات أن المحور الشيعي هو من يدافع عن القضايا العربية، وكأننا أمام نافذة تستعيد إيران من خلالها صورتها بأنها داعمة للمقاومة على رغم انهيار تلك الصورة بعد عام 2011 عندما دخلت و"حزب الله" في صراعات طائفية في سوريا ومناطق أخرى،
ومن جهة أخرى تحاول إيران أن يكون لها تأييد واسع ضمن قطاعات الرأي العام العربي، في وقت تضاءلت شعبيتها ضمن القواعد الشيعية التي وجدت تراخياً إيرانياً في الدفاع عن "حزب الله" أو حماية لبنان من القوة العسكرية الإسرائيلية.
إجمالاً، يمكن القول إن هناك تحديات تواجه الدول العربية على وقع تداعيات "طوفان الأقصى" والتي ينبغي وضع سياسات تتعامل معها، ومن ذلك مستقبل الجماعات من دون الدولة وكيفية إدماجها في الدولة المركزية لإنهاء محاولات إضعاف الدولة المركزية، وإيجاد خطاب إعلامي وسياسي يبرز الدور العربي في دعم القضايا العربية ويدحض الخطاب الإيراني الذي يستغل القضايا العربية محملاً بصيغة مقاومة، وأن يبرز الخطاب كيفية تهديد المصالح العربية كافة بين تنافس المشاريع الإقليمية غير العربية لكل من تركيا وإيران وإسرائيل.
وأخيراً لن يتوقف التنافس والصراع الإيراني- الإسرائيلي الذي يتناغم أحياناً على حساب المصالح العربية، ولا أدلّ من "فضيحة إيران غيت" في الثمانينيات في أوج قوة وثورية النظام، أما عن مستقبل الصراع الدائر بينهما حالياً، فستعود حتماً حرب الظل بين طهران وتل أبيب، لكن بعد انتهاء جولة الضربات المباشرة تلك، ومن المرجح أن تستمر سياسة إسرائيل نحو إيران في التصعيد، وتستمر سياسة طهران تجاه تل أبيب على أساس استنزافها من جبهات عدة.
*الكاتبه : أستاذة مساعدة في العلوم السياسية وكاتبة متخصصة في الشأن الإيراني والإقليمي، لها دراسات عدة وتكتب في صحف عربية ومصرية