شريط الأخبار
الرواشدة يبحث مع السفير الاسترالي سبل التعاون الثقافي الرواشدة يكرم كوكبة من موظفي وموظفات المكتبة الوطنية مصر.. قرار حكومي عاجل قبل سقوط عقارات الإسكندرية برلماني إيراني رفيع يعلن اكتمال جاهزية بلاده عسكريا لإغلاق مضيق هرمز بانتظار القرار رغم العروض السعودية المغرية.. "رونالدو الجديد" يختار الدوري الإنجليزي سعر معدن البالاديوم يصعد إلى أعلى مستوى منذ سبتمبر 2023 إيران تعلن عن خطها الأحمر في "تخصيب اليورانيوم" فضيحة.. ترامب يتصل بمقاتل بعد قيامه بحركات مشينة وإحراج زوجته إيران: لا موعد محددا بشأن المحادثات مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الأردن يرسل وحدات دم إلى مستشفيات شمال وجنوب غزة الداخلية السورية: فرض هيبة الدولة والقانون داخل السويداء أمر ضروري ومطلب شعبي 1500 شاحنة تمر يوميًا عبر مركز حدود جابر بين الأردن وسوريا الاحتلال يستهدف 112 نقطة لتعبئة المياه ويدمر 720 بئراً في غزة الحنيطي يفتح فرعا جديدا لصندوق الإئتمان العسكري في محافظة المفرق رئيس مجلس النواب يلتقي سفير الفاتيكان وزير الأوقاف: الهجرة النبوية شكلت تحولا مفصليا في تاريخ الأمة محافظ الطفيلة يتفقد سير عمل مكتب الأحوال المدنية في بصيرا القوات المسلحة تشارك في دورة تدريبية للجنة الأردنية للقانون الدولي الإنساني رسالة من اللواء أنور باشا الطراونة الأشغال العامة وأمانة عمان والبلديات.. الطرق بين الواقع والمأمول عدد السيارات في الأردن عام (2030) سيزيد عن (2.3) مليون مركبة

حين تبدعُ الهاشميّةُ في صناعةِ المعلّم

حين تبدعُ الهاشميّةُ في صناعةِ المعلّم
مدرّس المعلّمين أ. إيناس مشّه
في الجامعةِ الهاشميّةِ تنبعُ أجيالٌ ما تنفكُّ عن معانقةِ الوطنِ، وتستمرُّ في تكوينِ معادلاتٍ يتفوّّق فيها العطاءُ على عنصرِ الأخذِ، ومعهم يُرفَعُ سقفُ التّوقّعاتُ لتغدو المخرجاتُ أكثر تطوّرًا وأعمق تحقيقًا، وتزهرُ في قلبِ الصّحراءِ أحلامٌ من الذّهبِ تروي ظمأَ المثابرينَ، فينقلونَ هذا الارتواءَ المنعشَ إلى مجتمعِهم في المجالاتِ كافّة، فيفخرُ الوطنُ بأبناءٍ يلتهمونَ الصّعابَ لأجلِ أن تبقى الهُويّةُ الأردنيّةُ الهاشميّةُ هُويّةَ علمٍ وانتماءٍ، ولأجلَ أن يكبرَ المجتمعُ بإنجازاتٍ أُسّستْ على مبادئَ أصيلةٍ، وقواعدَ تربويّةٍ علميّةٍ تخلقُ للعملِ معنًى، وللتّعبِ قيمةً، وعلى جدرانِ الهاشميّةِ وبين أورقتِها هالةٌ من العراقةِ التي تمنحَ أبناءَها أسمى معاني البذلِ، فيبادلونها العطاءَ بالعطاءِ، لينجمَ عن ذلك تدفّقٌ للهممِ، وفيضٌ من الإبداع.
وما كانَ الدّبلومُ العالي لإعدادِ المعلّمينَ إلّا واحدًا من الخطواتِ الهامّةِ الّتي آمنتْ بها الجامعةُ الهاشميّةُ جنبًا إلى جنبِ عددٍ من الجامعاتِ العريقةِ الأخرى في وطنِنا الحبيبِ، لتضعَ بصمةً فريدةً لها في تنشئةِ جيلٍ استثنائيٍّ من المعلّمينَ المؤمنينَ بمهنِتهم السّاميةِ والمدركينَ لأبعادِها العميقةِ، والمنتمينَ لوطنٍ يفخرُ بالمعلّم، ويسيرونَ على خطواتٍ تولّدتْ من توجيهاتٍ ملكيّةٍ ساميّةٍ أخذتْ على عاتِقها الرّقيَّ بمسيرةِ التّعليمِ والنّهوضِ به، فجاءَ الدّبلومُ العالي لإعدادِ المعلّمينَ كأحدِ البرامجِ الّتي تترجمُ تلك التّوجيهاتِ السّاميةِ، وتجسّدُ رؤيةَ جلالةِ الملكِ عبد الله الثاني بن الحسين حفظه اللهُ ورعاه في أهمّيّةِ دورِ المعلّمِ بقولِه:" المعلّمُ هو أساسُ المجتمعِ القادرِ والمنتجِ، والنهوضُ به نهضةٌ للمجتمعِ والمستقبلِ".
ولأنّ النّجاحَ لا يليقُ إلّا بأرواحِ المثابرينَ، فللدّبلومِ طابعٌ خاصٌّ يتركُ أثرَه في كلِّ طَموحٍ يمرُّ به، فهو ليسَ مجرّدَ إثراءٍ للمعرفةِ، أو إكسابٍ لمهاراتٍ فريدةٍ، أو تطويرٍ لشخصيّةِ المعلّمِ في القرنِ الواحدِ والعشرين فحسب، بل هو رحلةٌ تتفتّحُ خلالَها أوردةُ الإدراكِ، هو الحكايةُ الّتي تعبّرُ عن كنزٍ تربويٍّ تعجزُ الكلماتُ في التّعبيرِ عن إرهاصاتِه، وهو مجموعةٌ من القصصِ الّتي تلتقي تحتَ مظلّتِه، وتتّحدُ حبكتُها في القدرةِ على الاستمراريّةِ، فيبدأ الطّلبةُ بالشّعورِ بضغطٍ عالٍ، ويشعرونَ أنّهم قد دخلُوا في دهاليزَ من المهامّ، فتكاد ترى قلوبَهم في تلك المرحلةِ وجلةً، فتأتي الإرادةُ لتهمسَ: كُنْ نبضًا لطموحاتِك، فتراهم في كلِّ خطوةٍ تتورّقُ من لدنهم فكرةٌ، ويتّقدُ فيهم طُموحٌ، وتُكسَب لديهم مهارةٌ، وتتألّقُ لهم غايةٌ، ويبزغُ نصبَ أعينِهم أملٌ، ويتحقّقُ أمامهم مسعًى، وتقوى العزيمةُ، وتظهرُ الحماسةُ، فتقفُ الكلماتُ في حلقِ اللّغةِ عاجزةً لتعبّرَ عن كلِّ هذا النّضجِ الأكاديميّ ِبأنّ الضّغطَ يولّدُ الإبداعَ.
مع الدبلومِ، نرى نحن المدرّبين كيف تُخلقُ الابتساماتُ من رحمِ التّعبِ، وكيف تنمو الأحلامُ من قوّةِ الإصرارِ، وكيف يتجلّى الطّالبُ المعلّمُ بحلّةٍ جديدةٍ من العطاءِ تصلُ إلى أعمقِ نقطةٍ في الرّوح، وكيف يحتضنُ بكلِّ ما أوتيَ من بهجةٍ هذه المهنةَ العظيمةَ، فيكتشفُ كم كانتْ تلك الضّغوطاتُ هشّةً أمامَ ما تحقّقَ من صقلٍ لشخصيّته وتهذيبٍ لها واستشعارٍ لأهمّيتِها، وأنّ الغوصَ في عالمِ المقالاتِ والأبحاثِ والتّنقّلَ بينَ المصادرِ في البحثِ عن إجابةٍ علميّةٍ لم يكنْ إلّا عمليةَ بناءٍ راقيةٍ لزوايا من العقلِ، وأنّ "هندسةَ" الحصصِ ضربٌ من التّطبيقِ حينًا ومن التّفرّد حينًا آخر، كما أنّ الجلساتِ التّدريبيّةَ أغنتِ الخيالَ، ووضّحتِ الرّؤيةَ، ولمعتْ فيها البراعةُ، بل واقتربتْ فيها الأفكارُ، ونمَتْ، وأضاءَتْ في الأذهانِ خواطرَ وتصوّراتٍ ورؤًى وتطلّعاتٍ.
ومنْ يستشعرُ عظمةَ هذه التّجربةِ يتقيّنُ أنّ الدّبلومَ العالي لإعدادِ المعلّمينَ ليسَ مجرّدَ الحصولِ على درجةٍ علميّةٍ مرموقةٍ فقط، بل هو تجسيدٌ للشّغفِ، وتثمينٌ للتّجربةِ الفريدةِ، واحترامٌ للعملِ الجماعيِّ، والارتقاءُ بتقييمِ الذّاتِ، وتبجيلٌ لمهنةِ التّعليمِ واستشعارٌ حقيقيٌّ وملموسٌ لقيمتِها، فالمعلّمُ الطّالبُ يبدأُ التّطبيقَ الفتيّ بدرسٍ مصغّرٍ لا يخرجُ عن جدرانِ القاعةِ التّدريبيّةِ، فتراه يجلبُ كلَّ الأدواتِ التي تصنعُ من هذا الدّرسِ المصغرِ خطوةً إلى الأمام، لينتهي به المطافُ معلّمًا مبدعًا متسلّحًا بالاستراتيجياتِ والطّرقِ التّدريسيّة التي تتلاءمُ وطبيعةَ الجيلِ الصّغيرِ من الطّلبةِ لأنّها مستندةٌ لنظريّاتٍ تربويّةٍ اعتنتْ بأنماطِ التّعلّمِ المختلفةِ، وموظّفةٌ للتّطبيقاتِ التكنولوجيّةِ الّتي تضفي على عمليّةِ التّعلّمِ رونقًا وجاذبيّةً ومتعةً، حينها قد لا يحتاجُ إلى الأدواتِ التي سبقَ أن وظّفها في درسِه المصغّرِ، لأنّه الآن يصنعُ أداوتِه بنفسِه، ويخلقُ من أبسطِها أكثرَها متعةً وجذبًا، فتغدو الفكرةُ واضحةً نصبَ عينيه: أنّه هو من يبدعُ لا الأدواتِ، وحينها يخترقُ كلَّ مساحةٍ ببراعتِه، ويذلّلُ الصّعابَ الّتي ظنَّ أنّها جبالٌ لن تزولَ؛ لأنّ الجلساتِ التّدريبيّةَ لا تنفصلُ ببساطةٍ عن الواقعِ الّذي قد لا يخلو من التّحدّياتِ، واللّافتُ في الأمرِ أنّ الطّالبَ المعلّمَ الّذي اشتكى من هذه التّحدياتِ تراه يضعُ حلولًا واقعيّةً إجرائيّةً لها، بل وتراه يتداركُ أيَّ تحدٍّ قد يتعرّضُ له بشكلٍ لحظيٍّ في الحصّةِ، فيزدادُ الفخرُ بمسعاهم، وبأخذِهم على محملِ الجدِّ التّغذيةَ الرّاجعةَ الّتي تُقدّمُ لهم سواءً في الزّياراتِ الميدانيّةِ التي تكون على شكلِ جلساتٍ نقاشيّةٍ تقرّبُ وجهاتِ النّظرِ للوصولِ إلى الإجراءِ الأنسبِ، أو للمقالاتِ الّتي تعزّزُ فيهم شخصيةَ المعلّمِ الباحثِ، والذي يتحرّى بنفسِهِ حيثيّاتِ التّطوّرِ في العلومِ التّربويّةِ بشكلٍ عامٍّ.
ويختتمُ كلَّ ذلك ببحثٍ استقصائيٍّ يرى فيه تحدّيًّا جديدًا، لكنه ما يلبثُ أن يرى قيمةَ هذا البحث، ويدخلُ في صعوباتٍ جديدة تتلخّصُ في الوقتِ المسموحِ، وكيفيّةِ التّطبيقِ، مزامنةً مع واجباتٍ أخرى تُطلب منه في المساحة الزّمنيّة ذاتها، لكنّه الآن وفي هذه المرحلةِ وصل إلى إدراكٍ غنيٍّ بتجاربَ سابقةٍ أنّ كلّ ذلك خطواتٌ لصناعةِ التّميّز، فينهلُ من الدّراساتِ والمصادرِ، ويعكسُ بكلِّ رقيٍّ أخلاقياتِ البحثِ، ويبدي تعاونًا مع التّغذيةِ الرّاجعةِ والملاحظاتِ القيّمة الّتي يشاركُها بها مرشدُه الأكاديميُّ الّذي يتبلورُ دورُه ويتجلّى ويتّضحُ بل ويرى نتائجَه بصورةٍ مذهلةٍ تجعلُه فخورًا بما قدّم.
ومع ارتفاعِ مستوى المعايير التي يُقاس عليها كلُّ ما سبق، فإنّ البذلَ والجهدَ والسّعيَ والكدَّ والدّأبَ، كلُّ ذلك ينعكسُ بشكل مبهرٍ على التّطوّرِ الّذي يبدأُ بـ" كيف سأحقّق؟" إلى: " أنا فخورٌ بما أحقّق"، لأنّ صاحبَ الإرادةِ يسعى لتطويرِ ذاتِه، والأعمقُ من ذلك السّعيُ لتحدّي ذاته ليخلقَ منها أنموذجًا يعتدُّ به.
إنّنا كمدرّبين فخورون بكلّ ما يُنجَز تحتَ مظلّةِ الدّبلومِ العالي لإعدادِ المعلّمين، وفخورون أكثر عندما يتألّقُ المعلّمُ ويعلّمُ بحبٍّ ومتعةٍ، وتتكوّنُ لديه قناعةٌ صلبةٌ أنّ التّعليمَ لا يُؤتى أكلُه إلا بتوظيفِ استراتيجيّاتٍ تسهمُ في تحقيقِ النّتاجاتِ، وباستخدامِ أدواتِ تقويمٍ واقعيّةٍ تسعى إلى تحسينِ الطّالبِ الصّغيرِ وتطويرِه، وكما كنّا الموجّهينَ والمدرّبينَ لهذا التّدريبِ الاستثنائيّ فقد كنّا في الوقتِ ذاتِهِ مَن يسعونِ للأفضلِ بتوجيهاتٍ من إدارة الدّبلوم الّتي آمنتْ بنا، ووضعتْ ثقتَها الثّمينةَ فينا، وأشرفتْ على نضجِ المدرّبينَ الجددِ منّا.
وخلاصةُ القولِ أنّ الدبلومَ العالي لإعدادِ المعلّمينَ هو فرصةٌ حقيقيّةٌ لإعادةِ حساباتِ كلِّ معلّمٍ أو مَنْ يطمحُ لأنْ يكونَ معلّمًا بطريقةٍ ممنهجةٍ ومرسومةٍ بدقّةٍ تُنفذُ عن طريقِ جلساتٍ تدريبيّةٍ، يُسمحُ بتطبيقِ أثرِها في الميدانِ بطريقةٍ منظّمةٍ، كلّ ذلك لا يمرّ بسلاسةٍ بل هناك خطواتٌ من التّعبِ الممتعِ والممزوجِ بإبداعٍ تُرفع له القبّعة.