الدكتور محمد الزبيدي
ان المراقب لانشاء المحكمة الجنائية الدولية ، لا يستغرب الحملة الامريكية الاسرائيلية ضد انشائها ، مستغلة الثغرات القانونية وبسط الهيمنة الامريكية على الدول ، يعي ان ما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تصاعد للأحداث وزيادة في التوترات ، منها جرائم الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين وغزة ، في الوقت الذي تظهر فيه امريكا منحازة للجرائم الاسرائيلية وتأخذ موقفا داعما تجاه السلطات الاسرائيلية ، تعطي إجابات عن التساؤلات الكبيرة حول موقف التزام امريكا بالعدالة الجنائية الدولية .
منذ سنوات طويلة، كانت الولايات المتحدة تقدم دعمًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا لإسرائيل. وفي أعقاب التصاعد الأخير للنزاع بين إسرائيل وغزة، أعلنت الولايات المتحدة دعمها الكامل للعمليات العسكرية التي نفذتها إسرائيل في المنطقة. هذا الموقف يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تنص على واجب حماية الأبرياء والامتناع عن تقديم الدعم لأي جانب ينتهك هذه المعاهدات.
لاحظت العديد من المجتمعات والمؤسسات الدولية المختصة انتهاكات إسرائيل للقوانين الإنسانية الدولية في غزة. هذه الانتهاكات تشمل هجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، وهي تصاحبها تقارير عن انتهاك حقوق الإنسان وجرائم حرب. يجب أن يثير هذا الموقف تساؤلات حول التداعيات القانونية لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل في مثل هذه الحالات.
من المهم فهم كيف يمكن أن يؤثر هذا الموقف على العلاقات الدولية والعدالة الدولية. إن استمرار التوترات في الشرق الأوسط يمكن أن يقوض الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. كما يمكن أن يضعف التدخل الأمريكي في دعم إسرائيل القوانين الدولية والقيم التي تقوم عليها.
حيث يشكل هذا الموقف تحديًا كبيرًا على نظام العدالة الجنائية ومحكمة الجنايات الدولية، وهو ما يتطلب تحقيق العدالة والسلام في المنطقة تعاونًا دوليًا وضغطًا على الأطراف المعنية للامتثال للقوانين الدولية.
إن استمرار التوترات بين إسرائيل وفلسطين في غزة يجعل موقف الولايات المتحدة موضوعًا محوريًا للنقاش الدولي. يتعين على المجتمع الدولي ومؤسساته التصدي لهذا التحدي والعمل نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة بموجب القوانين الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، كما يجب أن تكون هذه القضية على رأس أولويات الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار والعدالة في الشرق الأوسط.
كما أن المحكمة الجنائية الدولية تواجه اليوم تحديات كبيرة في مسعاها لتحقيق العدالة الجنائية الدولية المرغوبة على الساحة العالمية. هذه التحديات تتعلق بالثغرات المتواجدة في نظامها الأساسي والتأثيرات السياسية التي تمارسها دول كبرى.
أحد أهم التحديات التي تواجه المحكمة هو التدخل السياسي الذي يُمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يمارسه في عملها.
حيث يُمنح هذا المجلس الصلاحيات للتدخل المباشر والتأثير على قرارات المحكمة، وهو أمر يعرقل عملها ويؤثر سلبًا على استقلاليتها.
في حين أن المادة 98 من النظام الأساسي تتيح للولايات المتحدة فرصة لتوقيع اتفاقيات مع دول أخرى تمنع تسليم مواطنيها للمحكمة الجنائية الدولية في حال ارتكابهم لجرائم معينة. مما من الصعب تقديم المسؤولين عن تلك الجرائم إلى العدالة، هذا يفتح الباب للافلات من العقوبة.
و تعاني المحكمة من غياب تعريف دقيق لجريمة العدوان، مما يجعل من تطبيقها أمرًا صعبًا، وهو أمر يعوق تحقيق العدالة الجنائية الدولية بشكل فعال.
وتتحدث المادة 77 من النظام الأساسي والتي تحدد العقوبات التي يمكن فرضها على مرتكبي الجرائم، لكنها لا تشمل عقوبة الإعدام. وهذا يثير تساؤلات حول مدى كفاية العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية، ويزيد من التحديات التي تواجه تحقيق العدالة الجنائية الدولية.
للتغلب على هذه التحديات، يجب على المجتمع الدولي التعاون من أجل إجراء تعديلات في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعالجة الثغرات الموجودة فيه. هذا يتطلب توحيد الجهود لتحقيق العدالة الجنائية الدولية المطلوبة. على المستوى الدولي، ويجب أن تُعاد النظر في الاتفاقيات الثنائية التي تخالف أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. ويجب كذلك على الدول التي وقعت على نظام روما الأساسي أن تلتزم بالغرض من الاتفاقية وتعمل على تجاوز الصعوبات والثغرات القانونية الحالية.
كل ذلك يحصل في ظل ثغرات قانونية كبيرة تهدد جهود المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة الجنائية الدولية المطلوبة. تلك الثغرات تمكنت من استغلالها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للمعارضة للمحكمة والعمل ضدها. تشمل هذه الثغرات تفوق المجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يمتلك صلاحيات سياسية قوية، على قرارات المحكمة. هذا التدخل يجعل العدالة الجنائية الدولية أمرًا صعبًا في العمل الفعلي.