الدكتور خليف احمد الخوالده
أرى أن الحكومات تتناول التشريعات على اختلاف مستوياتها من قوانين وأنظمة وتطرحها للتعديل أو التغيير باستمرار ضنا منها أنها بذلك تعالج ما يواجه الوطن من تحديات أو لربما لأنه الخيار السهل حيث يُرد أي خلل جزافا إلى التشريعات وبهذا تتفادى الحكومات الدخول في مواجهات وتذهب إلى السهل لا الصعب. لدرجة أننا نجد أن التشريع الواحد أو حتى النص الواحد قد يُعدل في كل حكومة وأحيانا في الحكومة الواحدة عدة مرات.
وإذ لا انكر أبدا وجود خلل أو قصور في بعض التشريعات لكنه محدود جدا وأثره أيضا محدود جدا إذا ما قُورن بالممارسة والتطبيق فهي موطن الداء الذي لا يعالج إلا بالمواجهة والمتابعة والمساءلة.
تؤثر جودة التشريعات من قوانين وأنظمة على عمل السلطات والمؤسسات وخصوصا السلطة التنفيذية في قيامها بالمهام، والقضائية في البت في القضايا وإصدارها الأحكام والمحكمة الدستورية في النظر في دستورية القوانين والأنظمة وما فيها من أحكام وكذلك الأجهزة الرقابية في تقاريرها بالمخالفات. لذا تنعكس جودة التشريعات مع غيرها من عوامل أخرى على مستوى كفاءة وفعالية عمل هذه السلطات والمؤسسات.
ثمة ملاحظات على التشريعات بشكل عام، منها كثرة هذه التشريعات وتشعبها وكبر حجمها من حيث كثرة موادها وطول نصوصها وأحيانا تشتت نصوص الموضوع الواحد في عدة تشريعات. هذا بالإضافة إلى عدم وضوح بعض النصوص أو ضعف المضمون، ناهيك عن تقادم بعض التشريعات وحاجتها الماسة إلى تحديث.
أرى أن يكون القانون عبارة عن أحكام تشكل أطر وضوابط عامة دون الإغراق في التفاصيل وبحجم محدود من حيث عدد المواد وقصر طول النصوص. هناك قوانين فيها أحكام ونصوص وتفاصيل منها ما يُفترض أن يكون في أنظمة، ومنها ما يُفترض أن يكون في تعليمات. وهناك أنظمة وتعليمات تتضمن أحكام ونصوص لا يُفترض فيها أن تكون بل يُفترض أن تُترك كهامش مرونة لأصحاب القرار. لذا علينا ألا نفرط كثيرا في النصوص حتى لا يصبح عمل المُنفِّذ أو المُطبِّق لها كالآلة بلا إبداع أو اجتهاد بل تُقيده النصوص.
اقترح أن تُجمع الأحكام المتعلقة بالموضوع الواحد في تشريع ذلك الموضوع. وأن لا تستخدم عبارة "على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر" وإذا كان لابد من ذلك، مع أنني لست مع ذلك، فتستخدم في أضيق حدود لأن كثرة استخدمها يبطل الأحكام في بقية القوانين ويفقدها الترابط بينها وبالتالي تنتفي وحدة القانون وتجانس مواده ونصوصه.
كما اقترح ألا نكثر من التشريع الخاص على حساب التشريع العام. وألا يقل اهتمامنا بالمضمون عن اهتمامنا بالصياغة. وأن نحرص تماما على وضوح النصوص وقابليتها للتطبيق.
التشريعات فيها أدوات قد تفيد وقد تعيق وقد تشجع وقد تحد، فلنجعلها مرجعية تنظيمية لتحقيق الأهداف وسلسة تخلو من التعقيد وتضمن حسن توظيف الموارد المحدودة لما فيه خدمة للصالح العام. لذا عند إعداد واقرار التشريعات يجب ألا تخلو فرق العمل أو اللجان من أصحاب الاختصاص بالموضوع فلا يكفي- مع كل الاحترام- وجود أهل القانون، فللمحتوى والمضمون أهمية لا تقل عن أهمية صياغة النصوص والعكس صحيح.
إذا كانت مهمة القضاء تتطلب الموضوعية والحصافة والدقة والحياد، فما بالك بما تتطلبه مهمة التشريع التي يستند إلى نتاجها عمل الحكومة والقضاء.
التشريع هو الركن الأول في تحقيق العدالة وركنها الأخر التطبيق، ولهذا نقول دولة "قانون ومؤسسات".