جعفر حسان رئيس وزراء من قلب الميدان
د محمد العزة
صدرت الإرادة الملكية السامية في الثامن عشر من أيلول لعام ألفين وأربعة و عشرين 18/9/2024 بتكليف دولة رئيس الوزراء جعفر حسان لتشكيل الحكومة الأردنية العشرين في عهد الملكية الرابعة ، وهي الحكومة رقم 103 من عهد تأسيس الإمارة.
و في هذا المقال لن نذهب بربط تسمية الحكومة برئيس وزرائها كما جرت العادة و اصبحت ثقافة دارجة يتداولها المستوى الرسمي و الشعبي ، بل سوف نذكرها حسب ترتيبها مابين الحكومات ، أسوة بوصف مجلس النواب و للمصادفة أن كلا المؤسستين الحالتين تحمل رقم ( 20) في الترتيب ، لعلها تكون بداية نشر ثقافة جديدة في المحاسبة و المسائلة للمسؤول بناءا على موقعه و مركزه و تراتبيته و لتنويع سلطة القرار لغاية تأصيل مفاهيم المركزية واللامركزية و توسيع الصلاحية و تجويد و التخفيف من رتابة البيروقراطية المحافظة ، ضمن الحدود المقبولة لتكون مساهمة في تفعيل القرارات و تحقيق الانجاز ، بدلا من أن تكون تحديا و عائقا و أحد عناصر تأخير مخططات العمل و العطاء و التطوير و النماء ، ولعل زيارة رئيس الوزراء اليوم إلى الزرقاء و تدشين مقر مجلس اللامركزية في المحافظة إشارة على ما طرحناه أعلاه .
ما يهمنا اليوم و نتناوله في طرحنا و نقاشنا حول جعفر حسان بعيدا عن الألقاب ، وبعيدا عن خصوصية شخصيته و سيرته الذاتية و تفحص خبراته العملية ، اذا يمكن لأي منا الاطلاع عليها من خلال محرك البحث و المواقع الإلكترونية الرسمية ، لكن الاطلاع عليها تعطينا الانطباع و الخلفية و القدرة على توقع نهجه في ادارته و رئاسته للحكومة الأردنية العشرين و سلوك شخصيته الاعتبارية و عن توجهاته في التعامل مع الملفات و تصنيفها حسب الأولوية ، ذلك بناء على جاء في كتاب الإرادة الملكية السامية التي اقتبس منه هذا النص :
"إن ذلك يتطلب فريقا وزاريا طموحا و مؤمنا برؤية التحديث، وعلى قدر من الكفاءة والمسؤولية الوطنية والجرأة والمثابرة في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول التي تخدم المواطنين لتجاوز العقبات، فالحكومة تتحمل مسؤوليات عظيمة وثقيلة هي مساءلة عنها، ويجب أن تكون مهام الوزراء واضحة ومحددة بأهداف سنوية قابلة للقياس، تخضع للمتابعة والتقييم المستمرين وفق رؤية التحديث الشاملة، لا يعيقها تردد أو توجهها مصالح، سوى مصلحة الوطن، ولا ينقصها عزم أو جهد أو إرادة في تنفيذها، ويلمس المواطن آثارها الإيجابية" انتهى الاقتباس .
و هنا يكمن واجبنا أن أن نعبر عن ارآنا و وجهة نظرنا حول بدايات تحرك و نشاطات هذه الحكومة و ليس تقيمها فالعبرة و الحاجة للتقييم يكون عند النهايات و مدى مستوى الانجاز لما جاء بمضمون التكليف الملكي الذي أكد على أهمية مايلي :
1.التاكيد على الاشتباك و التفاعل الميداني على المستوى الشعبي و العمل خارج إطار و حدود الجدار المكتبي .
2.متابعة مسيرة مرحلة التحديث و مساراتها الثلاث والانطلاق منها و عليها في وضع البرامج و الخطط ، والتركيز على مسارات التحديث الإداري و الاقتصادي ، كون الاول وللأمانة قطعت فيه الحكومة التاسعة عشر شوطا جيدا قد يحتاج إلى إجراءات بعد التعديلات والتغيرات الواجبة بعد الاطلاع على مخرجات نتائج نماذجها السياسية الاولية
3 . اعتماد نهج القيادة التشاركية و التنسيقية مابين سلطات الدولة التنفيذية و التشريعية لضمان استمرارية اعمال المؤسسة الديمقراطية والدستورية و مواكبة لمرحلة التحديث و متابعتها بما تحتاج من تشريعات و كفاءات من الكوادر
4.التركيز على إعطاء المشاريع الاستثمارية الاقتصادية وخاصة المعيارية منها واجب الأولوية ، لما لها دور في تحسين الأحوال المعيشية للمواطن جوهر العملية و الشغل الشاغل للقيادة الهاشمية .
5.متابعة الوزرات و مستوى أداء الوزراء وآلية العمل في تحقيق الواجبات المكلفين ضمن الإمكانيات المتاحة .
و هناك الكثير من التفاصيل بشكل واضح و عملي لنقاط ذكرت في كتاب الإرادة الملكية و الدافع من تشكيل هذه الحكومة و المهام لتنفيذها و الاهداف الواجب تحقيقها ، بما يراعي مرحلة التحديث و مساراتها الثلاث و يمكن مراجعة نصها و الاطلاع عليها أكثر .
حكومة العشرين برئاسة جعفر حسان ، استنادا لسيرة خبراته العملية و المهنية و اطلاعه و تفاعله مع تجارب سلفه من رؤساء وزراء الحكومات السابقة ، و الانخراط في العمل معهم و التنقل مابين مواقع المسؤولية المرتبطة بالملفات الاقتصادية خاصة و التخطيط و معايشة التحولات السياسية والاقتصادية و الديمقراطية من بداية التسعينات و الاهم في النصف الثاني من العشر سنوات الاولى من عهد الملكية الرابعة ، و اخيرا كونه مديرا لمكتب الملك ، استطاع تشكيل مهارات و خبرات تمكنه من مقارنة نتائج برامجها و نهجها السياسي و الاقتصادي لا سيما التحول الديمقراطي و الانتقال إلى الحياة الحزبية وعلى المستوى الاقتصادي التحول ما بين الاشتراكية و الليبرالية ، مع الشعور و ميوله لنموذج ثالث اقرب إلى الاشتراكية الإنتاجية أو الديمقراطية الاجتماعية و ثم قدرته على التقاط رسالة الإرادة الملكية سريعا دون تأخير ، وبدأ بإخراجها من إطارها الورقي النظري و ترجمتها إلى واقعها العملي ، حسب ترتيب بنود توجيهات التكليف و خطوطه العريضة ، فوضع برنامج زيارات ميدانية شملت جميع مناطق المملكة الأردنية الهاشمية الوسطى و الشمالية و الجنوبية و اطلع على واقع حالها و تقيمها في مختلف القطاعات الصناعية و الصحية و التعلمية و سجل أهم الملاحظات و على إثرها وضع توصيات نواة قرارات موجهة للجهات المعنية و المختصة بمتابعتها و انجازها و هذه الخطوة حظيت بالترحيب من الشارع و أعطت جرعة من التفاؤل الإيجابية لدى مجاميع المجتمع السياسية و الشعبية ، مع تحفظ بعض التيارات كالعادة الباحثة لنفسها على الحفاظ لمساحة تحت اشعة و اضواء التغطية الإعلامية ، وهي لا تعلم ، أننا في مرحلة تحديث عابرة للحكومات و التيارات و الجماعات و الرموز والشخصيات و ستكون مظلة لهياكل حديثة تتبنى الحداثة و الادوات الديمقراطية المتجددة و ثقافة المحاسبة على مقدار تحقيق الإنجازات ، و هذا ليس من وحي كاتب المقال ، بل هو جاء على لسان حال جعفر حسان الذي اتسمت تصريحاته بالجدية و العملية و بلغ فيه الأمر توجيهها لأعضاء وزارته بأن من لا يملك مهارة القيادة أو مازال يعمل وفق آلية الرتابة و يعاني أو يشعر من ضعف الإدارة و قدرة التطوير ، عليه أن يستقل الباص السريع لاقرب نقطة من منزله ، في إشارة أن هذا الرئيس لن يؤخر او يوفر القرار في التعديل على اي من طاقمه اذا ما شعر بأن هناك من يشكل مصدر تأخير في مسيرة الخطة الحكومية أو منحازا لمصلحة شخصية ، واعتباره مؤشرا على التعطيل ، وهو اي الرئيس يراهن على عناصر و كوادر النجاح لا الفشل.
بهذا الانطباع و هذه البداية لحكومة العشرين برئاسة دولة جعفر حسان ، نسجل لها الخروج من نمطية الاداء المركزي و ثقافة الانعزال و الاعتزال اوقات الأزمات داخل الحجرات و تسخير كل المتطلبات لمعالجة الملفات وخاصة اليوم الملف الاقتصادي الذي جعله الملك و عناوين الصحافة الرسمية و المواقع الإلكترونية وأحاديث القوى السياسية والشعبية على رأس أجندتها و خاصة أن دولة الرئيس له كتاب بعنوان ( الإقتصاد السياسي الأردني من رحم الأزمات ) ، و نعي أنه لا يملك عصا سحرية تصنع المعجزات ، لكننا على امل أن نرى مؤسسية في العمل ، تمهد خارطة طريق لباقي الحكومات القادمة في المئوية الثانية من عمر ملكيتنا الرابعة و ملكيتها الخامسة بعد عمر طويل و مديد للملك عبدالله الثاني بن الحسين ، يلمس المواطن والوطن الاردني خلالها نتاج مرحلة التحديث تغيرا واضحا و عائدا واعدا بمستقبل أفضل لدولة تملك من الرجالات و الكفاءات القادرة على تحمل المسؤوليات و معالجة المشكلات و مواجهة التحديات ، و تحمي وطنا في محيط من الإضرابات عاهدناه أن يبقى عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.