![(جلالة الملك؛ عقلانية الخطاب والحنكة السياسية) صالح أبو طويلة](/assets/2025-02-12/images/394025_1_1739392223.jpg)
القلعة نيوز:
كشف اللقاء الذي ضم جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في 11 شباط الحالي؛ عن سعة أفق وحنكة سياسية واعية تمتع بها جلالة الملك وفي لقاء يعد الأعقد منذ اندلاع الأزمة في السابع من أكتوبر، حيث اقتضى الحوار تقديم خطاب سياسي حذر ومتوازن ودقيق ومحسوب بالكلمة لمن يفهم لغة السياسة، فالسياسة كما قيل فن التعامل مع الممكن، وترجيح المصالح العليا مع الإبقاء على المرونة اللازمة لحفظ البقاء، رغم حجم التحديات ومحدودية الخيارات.
لقد عبر المشهد بكافة تفاصيله عن اقتدار ملكي في فن المناورة السياسية والتعبير بروح الدبلوماسية والعقلانية الأردنية التي كانت ولا زالت سمة ثابتة للقيادة الهاشمية المتمسكة بالثوابت الوطنية والعربية، فقد عبر جلالته عن روح الدبلوماسية والعقلانية الأردنية معلنا تمسكه بالثوابت الوطنية العليا التي ترمي إلى حفظ مصالح الأردن وشعبه، وإيجاد حلول للقضية الفلسطينية بما يضمن ويؤكد حقوق الشعب الفلسطيني.
إن المتابع والمحلل لمشهد اللقاء والذي طرح فيه الجانب الأمريكي مقترحا لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الى الأردن ومصر وتنفيذ سيطرة الولايات المتحدة على القطاع؛ والذي قوبل برفض واسع في مختلف العالم العربي؛ يلحظ تمسك جلالة الملك وبشكل واضح وصريح بالحوار الجاد والمستمر لرفض مقترح التهجير وإيجاد حلول تنسجم مع القانون الدولي المؤكد لحق الفلسطينيين في ارضهم وفق حل الدولتين، مع طرح مبادرة إنسانية لاستقبال الأطفال المرضى من سكان القطاع لتلقي علاجهم بشكل مؤقت في الأردن وفي بادرة لتنفيس الضغوط الأمريكية على الأردن، مؤكدا جلالته على أن الأولوية يجب ان تكون لإعادة الاعمار لا التهجير، وأن التهجير يحمل تحديات سياسية وقانونية معقدة.
لقد تضمن اللقاء رؤيتين متناقضتين بين الأردن والولايات المتحدة، وقد اثبت الأردن ورغم محدودية إمكاناته وخياراته أمام الدولة الأولى في العالم؛ بأنه قادر ومن خلال إيمانه وثقته بالعدالة الدولية والمجتمع الدولي والقيادات السياسية المعتدلة في الولايات المتحدة خصوصا الديمقراطيين وبعض المعتدلين من الحزب الجمهوري، بالوصول إلى حلول تسهم في تحقيق الاستقرار والعدالة.
يتمسك الأردن ومن خلال دبلوماسية عريقة وعلاقات وصداقة متجذرة بينه وبين الولايات المتحدة امتدت لعقود لم تشهد خلالها أية أزمات تذكر؛ بثوابت سياسية تدعم حق الشعب الفلسطيني، ويتكئ في هذا الأمر على دور وسمعة جلالة الملك الداعي إلى السلام والاستقرار في كافة المحافل الدولية، كما يدرك الأردن بأن طروحات الرئيس ترامب بشأن التهجير ستواجه معارضة دولية شديدة وهي تحتاج الى موافقة الكونغرس الأمريكي، فالقوانين الأمريكية تحرم التهجير القسري لسكان أي بلد في العالم، كما يتعارض هذا الأمر مع التزامات الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان، باعتبار أن حل التهجير سيفاقم الأزمة ويدخل المنطقة في أتون صراعات جديدة.
ويبذل جلالة الملك تواصلا استثنائيا مع شخصيات سياسية ودبلوماسية أمريكية من أجل التأثير في التوجهات الحالية المتعلقة بمقترح التهجير، كما أنه يتلقى دعما عربيا من الأشقاء العرب في هذا الصدد، و يقود جلالته حوارا موسعا مع الأشقاء العرب وشخصيات سياسية دولية للوصول إلى حلول منطقية لكافة التحديات القائمة.
إن الجهود الاستثنائية والتواصل المعمق الذي يديره جلالة الملك مع الأطراف الدولية والأشقاء العرب يهدف الى ثني التوجه الأمريكي الرامي لحلول قسرية بشأن أبناء غزة، وهذا التواصل المكثف المرتكز الى القانون الدولي وقيم العدالة والسلام الدوليين؛ سيؤتي أكله في المرحلة المقبلة، وما يبشر بنجاح الدبلوماسية الأردنية في هذا الصدد عوامل عدة منها؛ الصداقة والعلاقات الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة والتي تتميز بالتفاهم والتبادل الإيجابي وخلوها من التوتر السياسي عبر تاريخها، والموقف العربي الموحد الرافض للمقترح، والعقبات القانونية والسياسية التي تواجه هذا المقترح والتي يفرضها القانون الدولي ودستور الولايات المتحدة، إلى جانب التخوفات من تفاقم الأزمة، ما يرشح تعديل المقترح الأمريكي بهذا الشأن، أو التخلي عن المبادرة كلية.
اعتقد جزما بأن الأردن قد كسب الجولة الأولى في الحوار من خلال المناورة والاحتواء واستراتيجية تحييد الخطة المقترحة، وهو يراهن على عامل الوقت ودعم المجتمع الدولي واستمرار الحوار المثمر مع المؤثرين في السياسة الخارجية الأمريكية، لذا فإننا نثق بشكل مطلق بالدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك والتي يجب علينا أن نلتف حولها شعبا ومؤسسات.
إن الشعب الأردني وهو يتابع بكل اهتمام سعي جلالة الملك حفظه الله وجهود الحثيثة لتحقيق العدالة والسلم الدوليين وتأكيد الحق الفلسطيني وفق حل الدولتين، وتأكيده المطلق بالحفاظ على مصالح الأردن وشعبه الوفي؛ ليؤكد ولاءه وانتمائه للقيادة الهاشمية وثقته المطلقة بحكمتها وحنكتها في مواجهة أية خيارات تتناقض مع القانون الدولي والعدالة الإنسانية.