
القلعة نيوز:
"لماذا
تفشل الامم" هو عنوان كتاب لمؤلفيه دارن اسموغلو و جيمس روبنسون تم نشره منذ
اكثر من عقد من الزمان و قوبل باهتمام اكاديمي و سياسي على مستوى عالمي. الكتاب هو
حصيلة سنوات من البحث و الدراسة التاريخية و المعاصرة للاجابة على السؤال المحوري الا
و هو لماذا تنجح بعض الدول و تفشل اخرى؟ معيار الباحثين هنا هو الفقر للفشل و
الازدهار الاقتصادي للنجاح.
اطروحة
الكتاب الرئيسية عمقيه و من الصعب اختزالها في مقال، و مع ذلك فانه من الممكن هنا الاضاءة
على بعض الافكار. الامم بحسب الكتاب تمر في تاريخها بلحظات فارقة او نوافذ زمنية
فريدة لا بد من انتهازها و اذا تم ذلك فانها تصبح رافعة للتنمية. و هذه النوافذ
يمكن ان تغلق لعقود او مئات السنوات عندما لا تحسم الدول امرها و تأخذ مسارات
خاطئة. هذه اللحظات يمكن ان تكون الاستقلال عن محتل، او خسارة حرب كبيرة، او
اكتشاف موارد طبيعية هائلة، او ثورات فلسفية اجتماعية. و الامثلة من التاريخ كثيرة
كاليابان و المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، او الولايات المتحدة و بريطانيا و
فرنسا بعد حروبهما الاهلية الداخلية، و سنغافورة بعد الاستقلال، و رواندا بعد حربها
الاهلية الدموية. و من اوضح الامثلة هي كوريا الجنوبية المزدهرة و كوريا الشمالية
الفقيرة، مع تناسقهما التام في الثقافة و التاريخ و الموارد و اللغة و غيرها من
العناصر.
هذه اللحظات
التاريخية تنتهزها الدول اما لبناء مؤسسات وطنية داعمة و شاملة للجميع، او تستغلها
بعض الفئات لتأسيس نظم "استخراجية" كما اسماها الباحثان. المؤسسات
الشاملة تضمن مشاركة اكبر عدد من افراد المجتمع في الاقتصاد و الابتكار، و هي كذلك
تؤسس لحقوق الملكية المادية و الفكرية، و بالتالي تؤدي الى النمو المستدام. اما
الانظمة الاستخراجية فهي تبني مؤسسات تحتكر السلطة و الثروة و تقصي اغلبية الافراد
عن المشاركة مما يدخلها في حلقة مفرغة تؤدي الى الفقر. و من الامثلة العديدة و
المثيرة هي ان اغنى رجل في الولايات المتحدة وقت نشر الكتاب، بيل غيتس، جمع ثروته
من ابتكار الكمبيوتر الشخصي و برمجياته، مقارنة مع اغنى رجل في جارتها المكسيك،
كارلوس سيلم، و الذي اسس ثروته على احتكار ترخيص شركة الاتصالات. و الدرس هو ان الابتكار،
لا الاحتكار، يؤدي الى الازدهار.
الكتاب لا
يتحدث عن اثر التكتلات السياسة و العسكرية على المنافسة ما بين الدول، مما قد يشكل
ثغرة في الاطار الفكري و العملي المقترح، و كذلك لا يحتوي على نصائح تفصيلية عن
كيفية الانتقال من المؤسسات الاستخراجية الى الشاملة، بل يركز على التوصيف و
التحليل و دراسات الحالات الواقعية و هي كثيرة و مفصلة. و لكن يبقى الكتاب قيما
لكل من يبحث عن اجابات لاسئلة الازدهار المستدام. هي ليست بالموارد الطبيعية، او
الموقع الجغرافي، او حتى المساحة و عدد السكان، و لا بالتاريخ او الثقافة الوطنية،
بل بمدى رساخة و نجاعة المؤسسات و القيم و الاعراف.