
المهندس عماد الشبار
يُعد الدكتور نسيم محمد عبدالله أبو خضير واحداً من أبرز الوجوه الإعلامية والأكاديمية في الأردن خلال العقود الأربعة الماضية، حيث جمع في مسيرته بين العمل الإذاعي والتلفزيوني، والبحث الأكاديمي، والكتابة الصحفية، والمشاركة في العمل المجتمعي، فكان مثالاً للإعلامي الملتزم، والمثقف الموسوعي، والأكاديمي الذي سخّر علمه لخدمة قضايا وطنه وأمته.
وُلد أبو خضير في بلدة النعيمة بمحافظة إربد عام 1958، ونشأ في بيئة أردنية أصيلة انعكست على شخصيته لاحقاً في التزامه بالعمل الجاد، وتعلقه بالعلم، وانخراطه في خدمة المجتمع. وبعد أن أنهى تعليمه العام، التحق بالجامعة الأردنية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية والاقتصاد عام 1982، ثم تابع دراساته العليا في مجال التربية، فحصل على الدبلوم العالي في التأهيل التربوي عام 1988، ثم الماجستير في المناهج والتدريس عام 1994، ليُتوج مسيرته الأكاديمية بالحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة في الدراسات الاجتماعية من جامعة اليرموك عام 2005.
بدأت مسيرة الدكتور نسيم أبو خضير العملية في الاذاعة الاردنية عام 1984، حيث عمل منتجاً ومحرراً ومذيعاً ، قبل أن يصبح واحداً من مذيعي الأخبار الرئيسيين عام 1986. امتاز صوته بالحضور القوي وأدائه بالرصانة والوضوح، ما جعله من الأصوات المألوفة للمستمع الأردني.
لم يقتصر دوره على تقديم الأخبار، بل برع في إعداد وتقديم العديد من البرامج الدينية والحوارية والوثائقية، سواء عبر الإذاعة أو التلفزيون، وكان أحد المساهمين في نقل شعائر الحج مباشرة من عرفات، ممثلاً لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
ومن أبرز ما قدمه في هذه المرحلة برنامج "فترة الغروب" الذي كان يُبث قبل أذان المغرب في رمضان. هذا البرنامج شكّل نموذجًا متفردًا في الدمج بين الروحانية والإنتاج الراقي، فاستقطب كبار المعلنين من البنوك والشركات الوطنية، وأسهم بشكل لافت في رفع العائد المالي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية. لكنه لم يكن مجرد فسحة رمضانية، بل كان منصة لترسيخ القيم الدينية بأسلوب عصري يجمع العائلة الأردنية على المحبة والخير.
كما أطلق برامج أخرى مؤثرة مثل "فسألوا أهل الذكر"، الذي فتح نافذة واسعة على أسئلة الناس وهمومهم، فكان أداة للتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، عاكسًا روح الإسلام الحقيقية البعيدة عن الغلو والتشدد.
وفي عام 1993، تولى منصب رئيس قسم البرامج الدينية في التلفزيون الأردني، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى عام 2010، حيث أشرف على باقة واسعة من البرامج الدينية والثقافية التي تركت أثراً عميقاً في الذاكرة الإعلامية الأردنية.
من عام 2010-2016 تولى الدكتور نسيم أبو خضير إدارة إذاعة القرآن الكريم حيث وضع نصب عينيه هدفًا واضحًا: أن تكون الإذاعة منبرًا للوسطية والاعتدال، ومنصة لمحاربة الفكر المتطرف، وترسيخ قيم التسامح واحترام الآخر.
آمن أن الخطاب الديني لا بد أن يكون حيويًا ومتجددًا ومواكبًا لحياة الناس اليومية، لا معزولًا عنهم. لذلك عمل على تطوير باقة من البرامج التي تناولت قضايا المرأة، والشباب، والمستجدات الاجتماعية والتكنولوجية، مجسدًا فكرة أن الدين ليس مجرد مواعظ، بل مشاركة حقيقية في قضايا المجتمع.
هذا التوجه أسهم في أن تتبوأ إذاعة القرآن الكريم المركز الأول بين جميع الإذاعات الأردنية الرسمية والخاصة
واصل الدكتور نسيم أبو خضير مسيرته الإعلامية في الإذاعة مديرًا لإدارة البرامج، قبل أن يُعين عام 2017 مديرًا لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، المظلة التي تضم ست إذاعات وطنية هي: البرنامج العام، إذاعة القرآن الكريم، عمّان FM، الإذاعة الرياضية، إذاعة إربد الكبرى، والإذاعة الأجنبية.
وفي هذا الموقع جسّد أرقى صور القيادة الإعلامية الناضجة، عبر تطوير المحتوى والرسالة لكل إذاعة بما يتلاءم مع خصوصيتها وجمهورها، وتعزيز الهوية الوطنية وصوت الدولة في الداخل والخارج، وتمكين الكفاءات من زملائه وتوفير بيئة عمل داعمة، فضلًا عن بناء جسور تواصل مع أبناء الجاليات الأردنية والمستمعين في الخارج. وقد كان مثالًا للمدير القريب من فريقه، الحريص على دعمهم، المؤمن برسالة الإعلام، والمتجرد من الذات، العامل بإخلاص من أجل الوطن.
إلى جانب عمله الإعلامي، برز الدكتور أبو خضير في المجال الأكاديمي، حيث عمل محاضراً غير متفرغ في عدد من الجامعات الأردنية، مثل جامعة عمان العربية، جامعة البتراء، جامعة العلوم التطبيقية، جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، وكلية الملك عبدالله لتكنولوجيا المعلومات. وقد درّس مواد متعددة في الشريعة الإسلامية، الحضارة العربية الإسلامية، التربية الوطنية، استراتيجيات التعلم والتعليم، وتصميم المناهج التربوية.
كما أثرى المكتبة الأكاديمية بعدد من الأبحاث والمؤلفات، من أبرزها:
كتاب علوم الحديث (2002).
بحث تصميم المناهج التربوية من منظور إسلامي.
بحث الديمقراطية والشورى.
بحث الخطاب الديني في وسائل الإعلام العربية.
دراسة حول جرائم الشرف بين الشريعة والقانون.
أبحاث حول قضايا الطلاق والعنف الأسري ودور الإعلام الديني في التوعية.
رسالة الدكتوراه التي تناولت مدى توافر مبادئ التربية السكانية في مناهج الدراسات الاجتماعية وبرامج التربية السكانية في التلفزيون الأردني.
لم يكتفِ أبو خضير بالعمل الإعلامي والأكاديمي، بل كان له حضور بارز في النشاطات الاجتماعية والخيرية. فقد كان عضواً مؤسساً في جمعية إسكان موظفي الإذاعة والتلفزيون عام 1993، وشارك في الهيئة الخيرية الأردنية وحملة البر والإحسان، كما انخرط في جمعية مكافحة التدخين منذ عام 1995.
كما تولى رئاسة جمعية الإعلاميين الأردنيين منذ عام 2003 وحتى اليوم، وساهم في لجان وطنية متعددة، منها: لجنة تطوير المناهج في وزارة التربية، لجنة جائزة الملك عبدالله في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، واللجنة العليا لمسابقة الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي.
شارك الدكتور أبو خضير في عشرات المؤتمرات والورش التدريبية داخل الأردن وخارجه، شملت موضوعات الإعلام، الحوار، قضايا المرأة، الصحة الإنجابية، النوع الاجتماعي، حقوق الإنسان، وحقوق اللاجئين. كما مثّل الأردن في مؤتمرات إسلامية وعربية عديدة، وقدم أوراقاً بحثية قيّمة أبرزت التجربة الأردنية في مجال الإعلام الديني والاجتماعي.
تقديراً لعطائه المتميز، حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، من أبرزها:
جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز الفضية للمشاركة الفاعلة في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار – مكة المكرمة 2008.
جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز – المركز الأول (فئة الموظف القيادي المتميز) 2015.
إضافة إلى عشرات الشهادات التقديرية والدروع والجوائز العينية من مؤسسات وطنية وإقليمية.
يمثل الدكتور نسيم أبو خضير نموذجاً للإعلامي المثقف الذي استطاع أن يوظف أدوات الإعلام لخدمة قضايا المجتمع، وأن يوازن بين رسالته الإعلامية وبين عمله الأكاديمي والبحثي، فكان صوتاً حاضرًا في الأثير، وقلمًا صادقًا في الصحافة، ومحاضراً ملتزماً في قاعات الجامعات.
إن مسيرته الممتدة منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم تُجسد صورة مشرقة للإعلام الأردني، وتؤكد أن الإعلام حين يقترن بالعلم والعمل المجتمعي يصبح قوة فاعلة في بناء الإنسان والأمة.