
عساف الشوبكي… صوتٌ لا يلين في حضرة الحقيقة
القلعة نيوز:
منذ بداياته على شاشة التلفزيون الأردني في ثمانينيات القرن الماضي، وضع الدكتور عساف عبدربه البركات الشوبكي لنفسه مسارًا مختلفًا عن السائد. كان يرى في الإعلام رسالة لا مهنة، وفي البرلمان واجبًا لا وجاهة. لذا، تميّز خطّه العام بالمصداقية والاستقلالية، ليصبح أحد أبرز الأصوات التي حملت هموم المواطن بلغةٍ عاقلةٍ لا تخلو من الحزم.
وُلد الدكتور عساف الشوبكي في الأردن ، ونشأ في بيئةٍ محافظةٍ تقدّر العلم والعمل العام. تميّز منذ شبابه المبكر بشغفه باللغة والإلقاء وحبّ المعرفة، ما جعله يتجه نحو دراسة الإعلام والاتصال، حتى نال درجة الدكتوراه في الإعلام والاتصال، ليؤسس لنفسه قاعدة علمية صلبة جمع من خلالها بين التنظير الأكاديمي والتطبيق العملي في الميدان.
كانت دراسته المتخصصة نقطة الانطلاق لمسيرة مهنية اتسمت بالجدّية والانضباط، فحمل رؤيته الأكاديمية إلى ساحات الإعلام، ووجد في الكلمة منبرًا للتعبير عن قناعاته الفكرية والوطنية.
التحق الشوبكي بالإذاعة الأردنية عام 1982م، حيث بدأ عمله مذيعًا لفترات تسيير البرامج على الهواء، في وقتٍ كان فيه الإعلام الأردني يعيش مرحلة ازدهارٍ مهنيٍّ ورساليٍّ متميّزة. وفي الوقت نفسه، عمل مندوبًا إخباريًا في قسم البرامج الإخبارية، ومعدًا للتقارير، ومذيعًا لنشرات الأخبار، ومعدًا ومقدّمًا لبرنامج "أفكار الشباب" في الإذاعة الأردنية، وهو البرنامج الذي أتاح له فرصة التفاعل المباشر مع قضايا الجيل الجديد وطموحاته.
وفي عام 1985م، انتقل للعمل في القناة الأولى في التلفزيون الأردني، إلى جانب استمراره في عمله الإذاعي، حيث قدّم البرامج الإخبارية اليومية مثل "شريط الأنباء الصباحي" و"شريط الأنباء المسائي" وجريدة المساء"، كما تولى إعداد وتقديم برنامج "مع الشباب" لسنوات عديدة، وهو من البرامج الحوارية التفاعلية التي لاقت صدى واسعًا بين المشاهدين، لجرأتها وصدق طرحها.
وفي دائرة البرامج التلفزيونية قدّم برامج متنوعة من أبرزها "يحدث اليوم"، الذي تناول القضايا المحلية الملحّة بأسلوبٍ موضوعيٍّ متوازن، ثم انتقل إلى دائرة الأخبار، حيث أطلّ على المشاهدين عبر نشرات الأخبار الرئيسة في الساعة السادسة والساعة الحادية عشرة ثم الساعة الثامنة، ليصبح وجهًا مألوفًا وصوتًا موثوقًا لدى الجمهور الأردني.
لم يكتف الشوبكي بتقديم النشرات، بل واصل إبداعه في البرامج الحوارية، فقدم لسنوات برنامج "منتصف النهار"، وبرنامج "من المسؤول؟"، وبرنامج "آخر الأخبار"، وهي برامج تفاعلية ناجحة شكّلت مدرسة إعلامية في الحوار الجادّ والتواصل مع الناس.
وفي عام 1999م، أُسندت إليه مهمة إعداد وتقديم برنامج "ستون دقيقة"، أحد أهم البرامج السياسية في تاريخ التلفزيون الأردني، إلى جانب تولّيه إدارة دائرة البرامج السياسية، ثم منصب مدير الأخبار في المؤسسة. استمر البرنامج إعدادًا وتقديمًا قرابة سبع سنوات، وكان منبرًا حيويًا للنقاش الوطني المسؤول، تناول فيه أبرز القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمهنية وجرأة متوازنة.
إلى جانب عمله الإعلامي، اتجه الدكتور عساف الشوبكي إلى التدريس الجامعي، فحصل على موافقات رسمية للعمل أستاذًا في جامعة البلقاء التطبيقية، ثم في جامعة الزرقاء، حيث درّس مساقات في الإعلام والاتصال العام، وأسهم في تأهيل جيلٍ جديد من الإعلاميين الشباب الذين تأثروا بخبرته الميدانية ورؤيته الفكرية.
كما قدّم برنامج "صباح المدينة" في إذاعة صوت المدينة، وهي إذاعة خاصة، عُرف فيها بأسلوبه الإنساني القريب من الناس، ولغته الإذاعية المتمكنة.
في عام 2012م، قدّم الدكتور الشوبكي استقالته من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية بعد ثلاثين عامًا من العطاء المهني، ليخوض بعدها تجربة الانتخابات النيابية، حيث فاز نائبًا عن الدائرة الرابعة في عمّان، واستمرت نيابته حتى عام 2016م. في البرلمان، عُرف بنزاهته وصراحته وجرأته في الطرح، فكان يوجّه أسئلته ومداخلاته بوضوحٍ ودون مواربة، مستندًا إلى الدستور والقانون، ومدافعًا عن حقوق الشباب والخريجين والطبقة الوسطى، وعن قضايا التعليم والإصلاح الإداري.
شارك في لجانٍ برلمانية مهمة مثل اللجنة الإدارية ولجنة النزاهة والشفافية ولجنة التوجيه الوطني والإعلام، وكان من النواب الذين يتعاملون مع العمل النيابي بوصفه واجبًا أخلاقيًا قبل أن يكون منصبًا سياسيًا. ولم يتردّد في مواجهة الفساد والمحاباة، داعيًا إلى تكافؤ الفرص والعدالة في التعيينات، ومؤكدًا أن الولاء الحقيقي للوطن يكون بالعمل لا بالشعارات.
بعد انتهاء دورته النيابية، عاد إلى العمل الأكاديمي والسياسي والفكري، وواصل الكتابة في الصحف والمواقع الإخبارية، مقدّمًا مقالاتٍ رأيٍ تحمل بصمته الخاصة؛ لغةً قويةً، ومضمونًا وطنيًا يعكس رؤيته للإصلاح والشفافية والعدالة ومحاربة الفساد.
وفي السنوات الأخيرة، تمكن الدكتور عساف الشوبكي مع مجموعة من الزملاء من إنشاء حزب العمل، سعيًا لتطوير الحياة السياسية وتعزيز المشاركة الوطنية، وهو اليوم أحد رموزه الفاعلين. كما يشغل حاليًا رئاسة جمعية العهدة، وهي جمعية تُعنى بشؤون المقدسيين والمسجد الأقصى، وتشكل رديفًا أهليًا للعمل الكبير الذي تقوم به الدولة ممثلةً بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وبدور وزارة الأوقاف في رعاية شؤون المسجد الأقصى المبارك.
إلى جانب ذلك، له أبحاثٌ محكّمةٌ ومنشوراتٌ علميةٌ وعديدٌ من المؤلفات الفكرية والإعلامية، ويُعد من المهتمين البارزين بالشأن العام الأردني والإصلاح والعدالة الاجتماعية.
يمتاز الدكتور عساف الشوبكي بلغةٍ قويةٍ راقية، وأسلوبٍ يعتمد على المنطق والهدوء، بعيدًا عن الانفعال أو التهويل. إنه لا يبحث عن ضجيج الشهرة، بل عن أثر الكلمة وصدق الرسالة. وفي كل مرة يتحدث فيها، تشعر أنه يوازن بين عقل المثقف وضمير المصلح، يزن كلماته بميزان الوطنية، ويضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار شخصي.
يؤمن أن الإعلام يجب أن يكون صوت الضمير الشعبي، وأن البرلماني الحقيقي هو الذي لا يغادر قضايا الناس بعد انتهاء الجلسة، بل يحملها في وجدانه إلى كل منبرٍ ومنصة.
بعد عقودٍ من العمل في الإعلام والبرلمان والأكاديميا، ترك الدكتور عساف الشوبكي أثرًا واضحًا في المشهد الأردني. لقد ساهم في تكوين رأيٍ عامٍ ناقدٍ وواعٍ، وأسهم في تدريب جيلٍ من الإعلاميين الشباب، وبقي اسمه حاضرًا في ذاكرة الإعلام الأردني كأحد الأصوات التي آمنت بالوطن وأخلصت له قولًا وفعلًا.
يقول الدكتور عساف الشوبكي في أحد تصريحاته:
"الوطن لا يُبنى بالصمت، بل بالجرأة المسؤولة والكلمة الصادقة.”
وهذه العبارة تختصر فلسفته كلها؛ فهو لا يرى في الإعلام وسيلة للظهور، ولا في البرلمان منصبًا، بل يرى فيهما رسالة ومسؤولية. لقد اختار طريقًا صعبًا، لكنه الطريق الذي يليق بالرجال الذين يصنعون الفارق في أزمنة الرمادية.
وبين الميكروفون والمقعد النيابي، وبين الورقة والكلمة، يظل الدكتور عساف الشوبكي شاهدًا على زمنٍ يحتاج إلى مزيدٍ من الصدق، وإلى أصواتٍ لا تخاف أن تقول ما يجب أن يُقال.
عماد الشبار