
بوادر مصالحة تركية كردية تاريخية في الأُفق
القلعة نيوز - كريستين حنا نصر
في أغلب السيناريوهات التي طُرحت سابقاً خاصة في مرحلة الربيع العربي والاحتجاجات التي شهدها والمترافقة بمطالب بالحرية والعدالة حينها، حيث تزامن معها أيضاً سقوط انظمة الى جانب العديد من الرؤساء، وللاسف رافقتها حالة من الفوضى والحروب الأهلية والنزاعات العرقية، كما كانت بعض البلدان مهددة بالتقسيم ، ومن ذلك على سبيل المثال سوريا ، حيث شهدت بقاء نظام الاسد خلال الثورة واثناء الحرب لمدة اكثر من 14 عاماً حتى اسقاطه من قبل هيئة تحرير الشام وتولي الرئاسة السورية من السيد أحمد الشرع، وفي وقت مرت فيه سوريا بعقوبات اقتصادية انهكتها، كما تمّت تدخلات خارجية عديدة، وجرى احتلال من تركيا لعدة مناطق في الشمال الغربي لسوريا، وحدثت تحركات عسكرية مثل غصن الزيتون، الى جانب بروز النفوذ الروسي بذريعة تقديمه المساندة بناءاً على طلب من النظام السوري البائد.
كما شهدت سوريا التواجد الامريكي أيضاً، وذلك بسبب مطالبات له من اهل الجزيرة وذلك من أجل مساندتهم للقضاء على فلول داعش، التي أعلنت مدينة الرقة عاصمة لما اسمته الخلافة الاسلامية، والتي تمّ تحريرها من قوات سوريا الديمقراطية التي بسطت سيطرتها على منطقة شرق الفرات، وبشكل يقارب ما مساحته 35% من الاراضي الزراعية المروية والغنية بالنفط والغاز، ومؤخراً نلاحظ وجود حالة صراع بين تركيا واسرائيل وحرب نفوذ في الاراضي السورية، حيث تفاقم الصراع المسلح خاصة بعد اسقاط نظام الاسد البائد في منطقة شرق الفرات وهجوم الجيش الوطني المدعوم من تركيا وقصفه لسد تشرين، والصراع مع قوات سوريا الديمقراطية.
والاهم هو اتهامات تركيا الموجهة للاكراد بمساعي الانفصال، وتزعم تركيا انهم يمثلون تهديد عسكري لأمن تركيا القومي، علماً بأنه لم يُسجل أي تعدي عسكري من قوات سوريا الديمقراطية في العمق التركي، بل واقع الخلافات الداخلية مع حزب العمال الكردستاني التركي، وأيضاً الى جانب ملامح الصراع القديم الجديد بين الاكراد والاتراك، وما جرى من اعتقال وسجن عبد الله اوجلان في تركيا حتى اليوم.
واثناء استلام السيد احمد الشرع سدة الحكم في سوريا، أي خلال المرحلة الانتقالية الجديدة، برز حدث في غاية الاهمية وهو ابرام الاتفاقية التاريخية بين قسد ممثلة بالقائد مظلوم عبدي ودمشق، واهم شرط في هذا الاتفاق هو انضمام قوات سوريا الديمقراطية لجيش وزارة الدفاع السوري الجديد الانشاء، حيث يجري الآن وعلى مراحل انضمام العديد من الميليشيات المتفرقة للجيش السوري الجديد، وبعد الاتفاق بين قسد ودمشق، فإن هذا يمثل بالنسبة لي تعاون لإنشاء جيش سوري موحد، بهدف حماية سوريا من اي اعتداءات خارجية، اي أنه جيش يدافع عن سيادة ووحدة الاراضي السورية كلها ، كذلك هو دفاع عسكري ضد اي هجمات واعتداءات على سوريا، بما فيها الاعتداءات العسكرية التركية على الاراضي السورية خاصة في منطقة شمال شرق الفرات، وهي منطقة قوات سوريا الديمقراطية ، وأيضاً في هذه المرحلة فقد جرت تفاهمات بين كل من الشرع وتركيا لانشاء عدة قواعد عسكرية ، اضافة لتواجد للجيش التركي فيها، ومن ذلك على سبيل المثال منطقة تدمر في الجنوب السوري وأيضاً في مناطق أخرى على امتداد الجغرافيا السورية.
وهنا بدا من الواضح الصراع التركي الاسرائيلي خاصة في المنطقة المحايدة للجولان وأيضاً مناطق الجنوب السوري، وتحديداً في السويداء حيث التواجد الدرزي والذي صرحت اسرائيل وخلال عدة مرات بسعيها نحو حمايتها لهذا المكون من أي اعتداءات ، خاصة تهديدات تمثلها الميليشيات المسلحة والغير منضبطة والواقعة خارج تشكيلة الجيش السوري التابع للدولة، والسؤال الأبرز هنا، هو ما مستقبل الصراع العسكري بين تركيا وسوريا الديمقراطية بالاغلبية الكردية في ظل الاتفاق الأمني بين قسد ودمشق مؤخراً؟.
والان فانه تجري خلف الكواليس مفاوضات بين مسد وتركيا، وبوساطة ورعاية أمريكية أوروبية فرنسية غير معلنة على وسائل الاعلام، ويوجد هناك احتمالية للتوصل الى اتفاق تاريخي للسلام بين قسد وتركيا في المستقبل القريب، واذا تمّ هذا الاتفاق فانه يعني إمكانية أن تكون هناك نهاية قاطعة للصراعات العسكرية بينهم في شمال الجغرافية السورية، حيث هذا الملف السوري مليء بالاحداث المُعقدة والصراعات العسكرية بينهما.
والواضح الآن في هذه المرحلة بدء ما يمكن تسميته الان بترسيم خطوط حقبة جديدة، حيث توجد اليوم أيضاً حالة من التقاطع لخطوط الصراع الاقليمي والدولي ، حيث تدار في الخفاء وبعيداً عن القنوات الاعلامية، هذه المفاوضات الغير معلنة، فاذا نجحت فانها سوف تساهم في تحديد مرحلة سلام جديدة بين الطرفين لانهاء الصراع بين الاكراد وتركيا وبالاخص الصراع المسلح في منطقة شمال سوريا، أي ستعيش سوريا مرحلة مهمة سمتها انهاء الصراع الماضي واعادة صياغة مرحلة جديدة، والتي إذا نجحت فانه سوف يتم الاعلان عنها بعد انهاء المفاوضات الغير معلنة بينهم.
فمنذ عام 2015م اصبحت قسد عملياً شريكاً اساسياً مع امريكا والتحالف الدولي لحماربة تنظيم داعش، اي المتمثل في دعم عسكري امريكي لقسد، والآن هذه المرحلة ومع التطورات المتسارعة في المشهد السوري، فقد تحول الدعم الامريكي لقسد من دعم عسكري الى دعم سياسي امريكي هدفه انهاء التوترات والحروب في سوريا والمنطقة، حيث يوجد ما يمكن وصفه بأنه تفاهمات دولية من أجل نجاح هذه المرحلة الانتقالية للحكم في سوريا الجديدة، حيث ان هذه السياسة هي أبرز سياسات الرئيس الامريكي دونالد ترامب والتي وعد بها في سباقه الرئاسي للبيت الابيض، من أجل انهاء الصراعات المسلحة في منطقة الشرق العربي، وفي هذا الملف بالتحديد الساعي لمنح المكون الكردي حقوقه ومنحه ايضاً شراكة مستدامة حقيقية في سوريا المستقبل ، على خلاف وقت سابق تمّ فيه للاسف إقصاء هذا المكون وتحديداً عهد حكم حزب البعث السوري المتمثل بآل الاسد وحكمهم لاكثر من 55 عاماً في سوريا.
ان نموذج الادارة الذاتية اثبت بوضوح جدارته ونجاحه في ادارة منطقة شرق الفرات في المعادلة السورية محلياً ودولياً، ونجحت هذه الادارة في مناطق شاسعة من الجغرافية السورية، حيث تم تأمين استقرار نسبي وتقديم خدمات رغم الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا، وهذا النجاح رغم التحديات منح مجلس سوريا الديمقراطية شرعية سياسية فرضها على جميع المتصارعين عسكريا معه، حيث حافظوا عسكريا على مناطقهم من اي تهديد لاحتلال مناطق شرق الفرات، وفي وقت كانت العلاقة بين قسد وتركيا سمتها التوسع العسكري التركي والذي لم ينجح.
وهنا امريكا في هذه المفاوضات تسعى لاقناع أنقرة لإعادة برمجة موقفها، وعموماً هناك مؤشرات على وجود حالة تحول تكتيكي للتعاون والاستجابة من الطرف التركي، في المحادثات الدبلوماسية بين ممثلين مسد ومسؤولين أمنيين ودبلوماسيين اتراك، والهدف الاساسي هو وقف الصراع العسكري والغارات التركية وبالمحصلة ترسيم ادارة ذاتية محلية تضمن حقوق جميع مكونات منطقة الجزيرة السورية، وحماية التعدد الثقافي ومنح مكونات المنطقة المختلفة مثل المكون الكردي والسرياني حقوقهم في تعليم لغتهم الأم، ومشاركة المرأة مع الرجل في الحياة السياسية وحصولها على حقوق متساوية في الميراث ، وهذا بالطبع من شأنه أن يؤسس أيضاً لشراكة قوية وطنية مع المركز دمشق، ويخلق حالة انسجام نتيجة تبادل صيغة نموذج الادارة الذاتية في منطقة شرق الفرات وبشكل يمكن معه تعميم هذا النموذج الناجح على كامل سوريا المستقبل.
وبرأي وحسب توقعاتي إذا تمّ ابرام هذا الاتفاق بين مسد وتركيا ، فانه سوف يعطي شرعية جديدة لسوريا موحدة ذات سيادة أيضاً، لتتفاهم مع الاطراف الاقليمية والدولية في المساهمة في بناء الدولة السورية الجديدة، والسعي في نجاح رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وهنا تتحول لغة الصراع العسكري بينهما الى تقارب يحمل مصالح مشتركة بين تركيا ومسد، ولتصبح سوريا الجديدة دولة ديمقراطية تعددية موحدة، وتبدأ عملية اعادة اعمار سوريا، لتبقى سوريا المستقبل حرّة أبيّة .